كتاب وآراء

ملف عن التعليم للنقاش غياب بلاغ مشترك بين الحكومة والنقابات التعليمية أجج الوضع التعليمي في انتظار نتائج الحوارات الجارية وقف العمل بمرسوم يلزمه مرسوم

إعداد : بوشعيب حمراوي
لم توفق الحكومة والنقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثيلية في إقناع المحتجين التربويين من أساتذة وأطر تربوية مختلفة، بما خلصت إليه من نتائج المنعقد الاثنين الماضي، رغم أن كل الأطراف المشاركة في اللقاء اعتبرتها إيجابية. حيث أكدت التنسيقيات التعليمية أنها مجرد قرارات شفهية وهمية توخت من وراءها الحكومة والنقابات المشاركة، إذابة جليد الاحتجاجات وعودة الحياة إلى المدرسة العمومية قبل انتهاء الأسدس التربوي الأول للموسم الدراسي المهدد بسنة بيضاء. علما أنه مجرد التفكير في (سنة بيضاء) قد يضاعف حالة الغليان دال الأسر. لأن هناك آلاف التلاميذ يتابعون دراستهم بالمدارس الخاصة بشكل عادي، كما أن هناك بعض الأساتذة غير منخرطين في الاحتجاجات ويواظبون على تقديم خدماتهم التربوية بشكل يومي وفق ما لديهم من استعمالات الزمن المدرسية.
جدل كثير شاب حتى مكونات لقاء الحكومة والنقابات
جدل ذاك الذي لازم لقاء الحكومة والنقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثيلية. انطلق أولا بتأكيد عدم ثقة المحتجين (من يشلون المدرسة العمومية بسلسة إضرابات)، في أشغال ونتائج ذلك اللقاء، باعتبار أن رئيس الحكومة كان سيجالس نقابات لا تمثلهم. وزاد الجدل ثانيا بعد الاطلاع على مكونات الطرف الحكومي. والتي أفرزت تأكيد لهم بأن الحكومة لازالت متبقية على التصنيف غير المنصف باعتبار أطر موظفي وزارة التربية الوطنية، وباقي الأطر التي تضعهم في خانة أطر الأكاديميات (الأساتذة المتعاقدين حسب التنسيقيات التعليمية). حيث طرحت أسئلة كثيرة عن سبب تواجد يونس سكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى، والشغل والكفاءات. وخلص المحتجون إلى أن وجود السكوري يؤكد أن الحكومة لا تعتبر خريجي المراكز الإقليمية والجهوية لمهن التربية والتكوين مجرد متعاقدين في إطار مدونة الشغل ولا علاقة لهم بالوظيفة العمومية. وتساءلوا عن غياب وزير ممثل لحقيبة الوظيفة العمومية في إشارة إلى غيثة مزور الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، والتي ما فتئت تتحدث على أن الحكومة تولي أهمية كبيرة لإصلاح منظومة الوظيفة العمومية، والموظفات والموظفين بصفة عامة لكونهم يشكلون المحرك الأساسي لإنجاح مختلف الاستراتيجيات والأوراش الهيكلية بالمملكة (حسب تصريح سابق لها). كما انتقدوا غياب نادية فتاح وزيرة الاقتصاد والمالية، والحضور الرقمي لفوزي لقجع وزيرها المنتدب المكلف فقط بالميزانية.
كما أن هناك من يتهم الحكومة بإقصاء نقابة تعليمية من النقابات الأكثر تمثلية، ويتعلق الأمر بالجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي. والتي سبق وانسحبت من الحوار بين وزارة التربية الوطنية والنقابات الخمس. على اعتبار أن هؤلاء فشلوا في إخراج نظام أساسي لقطاع التعليم. وأن انسحاب تلك النقابة سابقا له ما يبرره.

لماذا لم يصدر بلاغ مشترك عن لقاء الحكومة والنقابات ؟
تسبب غياب بلاغ مشترك لنتائج اللقاء المنعقد الاثنين الماضي بين الأطراف الحكومية والنقابية والاكتفاء بتصريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي زاد الطين بلة. بعد أن استعمل مفردة (تجميد) النظام الأساسي عوض (تجميد العمل بالنظام) الخاص بموظفي التعليم. وهو النظام الذي سبق وصدر مرسومه بالجريدة الرسمية. ولا يمكن وقف العمل به، إلا بقرار أو مرسوم ثان يصدر بالجريدة الرسمية. وليس بقرار صادر عن لسان رئيس الحكومة، أو صادر في بلاغات نقابية، لجأت إليها مكاتب تلك النقابات بعدما فوجئت برفض التنسيقيات التعليمية لنتائج اللقاء. علما أن مسؤولي تلك النقابات كانت قد سارعت بعد انتهاء اللقاء رفقة مسؤولين حكوميين إلى وصف اللقاء بالإيجابي والمثمر في تصريحات لممثلي الإعلام. انتظر مهنيو قطاع التعليم المحتجين أن تسفر نتائج اللقاء عن وقف العمل بمحتوى النظام الأساسي رسميا، كما سبق وأعلن عن بداية العمل به رسميا. كما انتظروا أن يصدر بلاغا مشتركا موقع من طرف الوزراء المشاركين حضوريا أو عن بعد ومسؤولي النقابات الأربع. حتى لا يتيه المحتجين بين محتويات مختلفة لتصريحات حكومية وبلاغات نقابية. يسعى كل طرف فيها للتسويق الجيد لصورته. والإعلان عن نتائج غامضة وفضفاضة. يغيب عنها الحرص اللازم في انتقاء الكلمات والجمل تجنبا لكل سوء فهم من طرف الرأي العام التربوي والعام.

وقف العمل بمرسوم يلزمه مرسوم

هل يدرك السير رئيس الحكومة أن كلمة (تجميد) التي تفيد إبقاء الشيء على حاله. تصيب مهنيي القطاعات العمومية والخاصة بالغضب والسخط. ( تجميد الأجور، تجميد التعويضات، تجميد الأسعار.. تجميد المفاوضات…). وأن (تجميد النظام الأساسي) يعني أنه ركن في ثلاجة أو (فريكو الحكومة)، ولا يمكن تغييره. ويعني أن الحكومة حريصة على حمايته من كل تعديل. وحتى وإن تجاوزنا اللبس والغموض المصاحب لكلمة (تجميد)، فإنه لا يمكن لأطراف لقاء الحكومة والنقابات التعليمية، أن يوقفوا العمل بمرسوم صدر رسميا بالجريدة الرسمية، هكذا بتصريح أو بلاغ نقابي أو حتى حكومي. فالمرسوم رقم 2.23.819 الخاص بالنظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية صدر بالجريدة الرسمية عدد 7237 بتاريخ 09 أكتوبر 2023. بعد أن تمت المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023. ولا يمكن أن يبادر رئيس الحكومة ومعه ثلاثة وزراء (أحدهم حضر عن بعد)، أن يوقفوا المرسوم.

الاقتطاع من أجور المضربين حلال رغم عدم شرعيته

الكل يدرك أن لا شرعية للحكومة في عقوبة الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل. لسبب بسيط هو أن الحكومة لم تحدث قانون خاص بالإضراب. لكي يعرف كل طرف ما له وما عليه. وطبعا يكفي أن تبادر الجهات المتضررة إلى التقدم بشكايات في الموضوع لدى المحاكم المختصة من أجل الإنصاف أو على الأقل التصدي لجبروت الحكومة. وإرغامها على تعجيل الإعداد والخروج بقانون لتقنين الإضراب.
لكن ما يجب الخوض فيه هو ما محل (سلسلة الإضرابات التي تعلن عن التنسيقيات وحتى الجمعيات) من الإعراب النقابي ؟ .. وهل يحق لها الإعلان عن الإضراب.
أكيد أن الإضراب هو المشروع، ويمكن لأي كان بصفته الشخصية أن يلجأ إلى الإضراب في حال ما رأى أنه طريقة للاحتجاج تمكنه من تحقيق حقوقه. وإن كانت الحكومة تسمي ما تقوم به التنسيقيات بالإضراب، وأن تسارع إلى سلك مساطر الاقتطاع من أجور المحتجين. فعليها أن تدرك أنها بهذا الإجراء تعترف بها كهيئات تناضل من أجل إنصاف مهنيي القطاع. لأنها هي من دعت وتدعو إلى الإضراب. وعليها إذن الجلوس مع ممثليها والتفاوض معهم. عوض تهميشها بمبرر عدم قانونية تلك التنسيقيات. كما أنه يجب على النقابات الأكثر تمثيلية التي حضرت اللقاء، وطالبت بوقف عقوبة الاقتطاع من أجور المضربين. أن تدرك أنه كان عليها الجلوس أولا مع ممثلي التنسيقيات قبل الجلوس مع الحكومة. وقبل بدء الحوار المفروض أنه سيفضي إلى الخروج بنظام أساسي منصف. فالجلوس مع الغاضبين من النقابات هو واجب وليس طلب من هذا أو ذاك. وستمكنها مبادرة الجلوس معها من الوقوف على المطالب الحقيقية لهذه الفئة، كما ستمكنها من تصفية الأجواء وإعادة الثقة ولما عودة هؤلاء المناضلين بأغطية التنسيقيات إلى النضال بأغطية نقابية.

ماذا عن التلاميذ والأسر ؟
لا أحد من الأطراف المعنية بقطاع التعليم يمكنه التهرب من مسؤوليته عن الشلل والجمود التربوي الذي ضرب المدارس العمومية منذ الإعلان عن مرسوم النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية. وما خلفه من معاناة ومضاعفات مرضية عضوية ونفسية لازمت التلاميذ ومعهم أعضاء أسرهم. لا أحد يمكنه التبرؤ من الاحتقان والغليان والعصيان التربوي الذي أغضب الأسر وأحبط التلاميذ. وجعل الكل يتساءل عن مدى الجدية والروح الوطنية التي واكبت الإعداد لهذا النظام المفروض أن يكون مولودا محبوبا وليس مرفوضا لدى كل المغاربة وخصوصا فئة كبيرة من مهنيي القطاع.
سنة دراسية يراها الكل أنها سوداء، ويأمل الكل أن يعيد طلائها باللون الأخضر وليس باللون الأبيض كما يروج البعض ممن لا يدركون خطورة التلميح أو التهديد بها.
يستمر هدر الزمن المدرسي والثقافي
ليست وحدها المواد الدراسية التي يهدر زمنها المدرسي. وليست تلك المواد البرمجة سنويا بموازاة كل مستوى دراسي هي التي رحم ويرحم منها التلاميذ بسبب سلسلة الإضرابات التي لا تنتهي ومستقبل غامض لا يوحي بفرج قريب.
فالمدرسة تلعب أدوارا أخرى ذات أهمية في تكوين شخصية الطفل نفسيا ثقافيا ورياضيا و فنيا وسلوكيا… باعتماد الأندية التربوية واللقاءات والموائد المستديرة التي يكون التلاميذ أطرافا فيها. يشاركون، يبدعون يتنافسون، يواكبون، يترافعون، يكتسبون مهارات مختلفة.
مرت عدة مناسبات وطنية. أعياد وذكريات مجيدة وأيام وطنية، اعتادت إدارات المؤسسة التعليمية أن تستغلها لترسيخ المواطنة وحقوق الإنسان لدى التلاميذ. وأن تذكرهم بتاريخ بلدهم في المقاومة والتحرير والبناء و.. لكن للأسف مرت كباقي أيام الأسبوع. إلا بدى رواد المدارس الخصوصية.

الإضرابات تحرم التلاميذ من زيارة المعرض الدولي لكتاب الطفل

امتد الحرمان لدى تلاميذ التعليم العمومي إلى الحرمان من زيارة المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب. ولم تنتبه الوزارة الوصية إلى أن هؤلاء المتضررين من إضرابات الأساتذة. لن يجدوا من يبادر إلى تمكينهم من رحلات لزيارة هذا المعرض. ولم تفكر في إيجاد بدائل لهم بدعم من المديريات الإقليمية وأكاديميات التربية والتكوين والمجالس المنتخبة محليا إقليميا وجهويا. خصوصا أن هناك المئات من حافلات النقل المدرسي المتوفرة داخل كل جماعة وكل مديرية. وطبعا فالمعرض الدولي لكتاب الطفل الذي نظم في النصف الثاني من شهر نونبر الأخير، عرف حضور تلاميذ المدارس الخصوصية. كما عرف حضور فئة عريضة من الأساتذة. هذا المعرض (المغبر نسبة إلى الغبار) يعاب عنه أنه كان موجها للأطفال فقط وليس للشباب كما جاء في تسميته، حيث أن كل المعارض كانت موجهة للأطفال الصغار. كما أنه كان يفتقد لخريطة أو شبكة موجهة للزوار.

الدعم التربوي عن بعد .. مبادرة ملغومة
قبل شهر راسلت وزارة التربية الوطنية (عن طريق الكاتب العام بالوزارة) مدراء أكاديميات التربية والتكوين. وطالبت بتقديم اقتراحات من أجل تنفيذ قرار سابق يقضي باعتماد التعليم عن بعد. على أساس أنها تريد فرض حصة تكوين لكل تلاميذ الابتدائي كل أسبوعين. وساعة تكوين أسبوعية لكل تلاميذ الثانوي الإعدادي والتأهيلي داخل المؤسسات التعليمية العمومية. كما أنها تريد اعتماد هذا النوع من التعليم كبديل للتلاميذ الذين لديهم إكراهات الحضور إلى أقسام التدريس. لتعود الوزارة قبل أسبوعين وتقرر اعتماد الدعم التربوي عن بعد كحل لتغطية الحرمان الذي يعيشه التلاميذ بسبب توالي مسلسل الإضرابات. وقبلها إطلاق منصة للتعلم الذاتي بمشاهدة مجموعة من الفيديوهات المسجلة مسبقا. وهي أنماط سبق وتم اعتمادها، ولم تفكر الوزارة الوصية ولا أية جهة معنية، في تقييمها.
أظن أنه من العيب والعار الحديث عن (التعلم الذاتي) كنمط تعليمي يمكن اعتماده للتدريس. لأنه ببساطة هو نمط يلقي بمسؤولية التعليم إلى الأسر. حيث الاختلاف في الثقافة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. ويجرد من المدرسة من مهامها التربوية والتعليمية التي أسست من أجلها. والحديث عن التدريس عن بعد، باعتماد آليات رقمية. يعني حتميا الخوض في مدى أهلية المغرب المادية والعلمية وقدرته على تبني هذا التعليم الرقمي في ظروف وأجواء تضمن تكافؤ الفرص لكل المتعلمين. مع تقديم منتوج علمي جاد قابل للاستيعاب بالوسائل العصرية. وبطرق وأساليب سلسة، تستهوي المتعلمين ولا تثقل كواهل الآباء والأمهات. فهل وفرت الحكومة، البنية التحتية التربوية الرقمية ؟. وخصوصا تلك المتواجدة بالمناطق القروية والتجمعات السكنية الحضرية الهشة. كالربط بشبكة الكهرباء والاتصال. والتوفر على العتاد الرقمي. وهل أعدت الوزارة الوصية، المناهج والبرامج الرقمية لكل مستوى تعليمي مدرسي أو جامعي أو تكويني ؟. أم أنها اكتفت بإضفاء وهم التغيير والتعديل على تلك المناهج والبرامج المستحدثة.
فلا يعقل أن نعتمد نفس المناهج والبرامج التي تلقن حضوريا باستعمال الوسائل التقليدية المعتادة (السبورة، الطباشير، الدفاتر، الأقلام الجافة…)، في التعليم عن بعد. فلا الحصص الزمنية المبرمجة لها، ولا الطرق البيداغوجية والديداكتيكية المتبعة، ستمكن الأساتذة من تلقين التلاميذ. فكل المؤشرات المادية والعلمية والديداكتيكية تؤكد عدم نجاعة التعليم عن بعد في المغرب. وأن هذا النوع من التعليم أدخل الثلاثي (الأم والأب ، التلميذ، الأستاذ) في معاناة يومية خارجة عن إرادتهم . مشكلتنا في المغرب أننا نعتبر التعليم عن بعد، هو بديل للتعليم الحضوري. عوض اعتبارهما نموذجين ولازمتين متلازمتين للتعليم. يمكن اعتمادهما في أي وقت وحين. ولكل منهما خصائص ومميزات. صحيح أن من حسنات كوفيد 19 وباقي متحوراته، أنها سرعت اهتمام المغرب بالتعليم الرقمي. وأنه لا بديل لهذا النمط التعليمي إذا ما زادت حدة هذا الوباء. لكن على الكل أن يدرك أن الحكومة ارتكبت خطأ في حصر (التعليم الرقمي) داخل قطاع التربية الوطنية. ولم تدرك أن المدارس والثانويات والمرافق الجامعية لم تكن تؤدي دور المدرس الذي يلقن برامج الوزارة التعليمية وفق حصص زمنية وطرق محددة فقط . ولكنها تعتبر كذلك مشتلا لرعاية وصقل المواهب بكل إفرازاتها الثقافية والفنية والرياضية والحقوقية والبيئية. كان على الحكومة أن توصي كل القطاعات المعنية بالشباب بإعداد مناهج وبرامج رقمية موازية وجعلها رهن إشارة العموم. حتى يصبح التعليم الرقمي ضرورة، ملحة تفرضها متطلبات الحياة العصرية.

الوضع يفرض تغليب روح المواطنة على القانون
لن نخوض في مطالب الشغيلة التعليمية ومدى استجابة الوزارة الوصية والحكومة لها. لأن الشلل الدراسي الذي أصاب ويصيب المؤسسات التعليمية منذ بداية الموسم الدراسي الجاري، بسبب احتجاجات هيئة التدريس ودخولهم في سلسلة من الإضرابات عن العمل، يبرز بجلاء أن المولود الجديد (مرسوم النظام الأساسي الخاص بموظفي التعليم)، لا يلبي مطالب هذه الفئة على الخصوص. ولن أعيد الحديث عن ارتفاع منسوب عدم الثقة لدى المدرسين والمدرسات في النقابات الأكثر تمثيلية الموقعة على (النظام الأساسي). والذي تسبب في تفريخ تنسيقيات إقليمية، جهوية ووطنية. وصدور بلاغات مختلفة أعلنت وتعلن عن إضرابات رغم ما أفرزه اللقاء الاخير بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر الأربع تمثيلية
لكنني سأقف عند الطرق الغامضة المتخذة من طرف الحكومة والوزارة الوصية في التعامل مع هذا الملف الذي أهدر حصصا كثيرة من الزمن المدرسي. والمفروض ألا يعمر طويلا إنصافا للمتعلمين وأسرهم. كما سأقف عند أزمة التعليم (كرة الثلج التربوية)، التي بدأ حجمها يكبر ويتسع، لتأخذ أبعادا خطيرة خارج منظومة التربية والتكوين. بعد ارتفاع درجات الاحتقان والغضب والسخط في صفوف آباء وأولياء وأمهات التلاميذ. وانطلاق الاحتجاجات أمام هذا الوضع الغامض المضر تعليميا وصحيا لأبنائهم وبناتهم. والمعرقل لسير برامجهم اليومية. لتدرك الحكومة والوزارة الوصية أنهما الآن أمام موجة (عصيان تربوي)، تقودها تنسيقيات مختلفة مشكلة من موظفي التعليم لا يربطها أي رابط بالنقابات. وأن الحوار لابد أن يشمل مؤقتا ممثلين عن تلك التنسيقيات التي فرضت برنامجها النضالي وشلت العملية التعليمية التعلمية. ويكفي الإعلان عن موعد بداية الحوار معها لتعود الحياة التربوية للمؤسسات التعليمية. أو حتى الإنصات إليها من طرف النقابات التعليمية قبل بدء الحوار مع لجنة الحوار الحكومية التي يرأسها وزير التربية الوطنية.
فما تسعى الحكومة لعلاجه مع النقابات الأكثر تمثيلية التي انقلبت على الوزارة الوصية. هو أولا دليل على فشل الوزارة الوصية في احتوائه. وثانيا دليل على قصور أداء محاوري تلك الوزارة (النقابات الأربعة). وعليها إذن أن تدرك مجالستها لن يكون شافيا للجرح الذي خلفه مرسوم النظام الأساسي لدى فئة المدرسين. بقدر ما سيكون لقاحا لانتعاشة تلك النقابات التي فقدت هبتها وتأثيرها الميداني. ولن يزيد المتضررين إلا صمودا وتطبيقيا لشعار غفلته عنه النقابات (ما لا يأتي بالنضال.. سيأتي بالمزيد من النضال..).
إن طرق التعامل مع ملفات ومطالب الشغيلة التعليمية من طرف النقابات والحكومة والوزارة الوصية. لا تأخذ بعين الاعتبار المهام السامية لأطر التربية والتكوين والمتمثلة في تعليم وتكوين التلاميذ، والعمل على تجنب هدر الزمن المدرسي. إذ لا يعقل أن تمتد إضرابات اطر التدريس لأيام وأسابيع وربما أشهر، دون أن يتم الحسم في المطالب بالاستجابة أو الرفض مع التبرير.
هل يدرك المضربون ومعهم ممثلي الحكومة والوزارة الوصية، معاناة الأسر يوميا مع أطفالهم في التنقل والتغذية والرعاية و؟.. وهل يدركون أن هناك تلاميذ مرضى يتعرضون لمضاعفات مرضية أو أمنية بسبب عدم استقبالهم داخل المدارس ؟.. وأن هناك مجرمون ومنحرفون باتوا يتربصون بهم بمحيط المؤسسات التعليمية من أجل تعنيفهم أو اغتصابهم أو سرقتهم أو استدراجهم للإدمان على المخدرات (السيلسيون، البوفا، وباقي أنواع المخدرات والسموم). لما لا يتم الحسم في مطالب الأطر من طرف الحكومة والوزارة بالتحاور والإقناع دون اللجوء إلى الإضرابات. ولما لا تشكل الوزارة الوصية خلية الإنصات داخل الأكاديميات والوزارة من أجل استقبال كل ما تكتبه الأطر التربوية من مطالب وحاجيات بداية كل موسم دراسي، وتسلمها لمديري المؤسسات التعليمية ؟.
بعيدا عن القانون وما يفرضه، هناك روح القانون التي تفرض مجالسة ممثلي التنسيقيات مؤقتا والحسم في هذا الملف الذي يعتبر بصمة عار في جبين كل المعنيين والشركاء. وحثهم على العمل مستقبل في إطار هيئات نقابية رسمية قديمة أو محدثة.
فالحكومة هي المسؤولة عن تفريخ الجمعيات والتنسيقيات التي تترافع بنفس مهام النقابات داخل عدة قطاعات عمومية . وهي التي يجب أن تتحمل تبعات هذا الصمت. فكم من جمعية وطنية محدثة سابقا لفئات مختلفة (المديرون بمختلف الأسلاك، الحراس العامون والنظار…) تقوم بمهام نقابية. فكم مرة تم مجالستها على مستوى الوزارة من أجل البث في مهام وأهداف نقابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى