
رضوان قليمي-المقال المغربي.
في مشهد يتكرر يوميا دون تدخل حازم، يواصل عدد من باعة الخضر والفواكه احتلالهم لمساحات شاسعة من الملك العمومي قرب المحطة الطرقية لمدينة خريبكة، حيث تحول الطريق الضيق بين سوق الدجاج وجدار السكك الحديدية إلى سوق عشوائي ممتد، يعج بالخيام المنصوبة والعربات المتراصة، ما جعل المرور منه أمرا بالغ الصعوبة، سواء للمارة أو لسائقي شاحنات النقل العمومي وسيارات الأجرةوغيرها.
الرصيف الذي صمم ليضمن سلامة الراجلين فقد وظيفته، وتحول إلى أرض محتلة تمنع المرور وتفرض على الناس السير وسط الطريق، في مواجهة مباشرة مع العربات والدراجات والشاحنات، إذ تجاوز بعض الباعة دور التاجر المستغل للملك العمومي بصفة مؤقتة، فبنوا خياما ثابتة وأقاموا مطابخ ميدانية يعدون فيها الوجبات، متصرفين وكأنهم في ملكية خاصة لا يطالها القانون.
هذا الوضع لم يكن وليد اليوم، بل جاء نتيجة لتراخيص مؤقتة منحتها السلطات المحلية، شريطة ألا يتوسع الباعة خارج المساحات المحددة، وأن يلتزموا بضوابط معينة.
لكن ما كان مجرد حل ظرفي لتأمين لقمة العيش لفئة من المواطنين في وضعية هشة، تحول إلى شكل من أشكال الهيمنة التدريجية على المجال العام، وسط صمت إداري غير مبرر.
وعبر عدد من المواطنين عن تذمرهم من هذه الحالة التي وصفوها بـ”الفوضى المقنعة”، حيث تقول سيدة تقطن بالحي المجاور: “لا نعرف أين نمشي. الشارع ليس لنا، والرصيف مغلق بالخيام. حتى الهواء صار ثقيلا بروائح الطهي والدخان.”
وإذا كان القانون واضحا في هذا الباب ، إذ لا يسمح باستغلال الملك العمومي إلا بموجب ترخيص قانوني يخضع لضوابط دقيقة فإن الواقع يروي قصة أخرى، حيث بات بعض الباعة يعتبرون مواقعهم “حقا مكتسبا”، ويقاومون أي محاولة لتحرير الملك العمومي، معتمدين على عوامل اجتماعية واقتصادية كالفقر والبطالة لتبرير استمرارهم.
ورغم أن تدخل السلطات يظل ممكنا بل وواجبا قانونيا، فإن ترددها أو تقاعس بعض أعوانها في تنفيذ القانون يطرح تساؤلات حول مدى جدية مواجهة الظاهرة.
تحرير الملك العمومي، إذن، لم يعد قضية تقنية أو إدارية فقط، بل أصبح رهانا يعكس قدرة الدولة على فرض القانون بعدالة، دون انتقائية أو محاباة. فالمجال العمومي ليس فقط فضاء ماديا، بل هو أيضا انعكاس لقيم النظام العام، وللحق في المدينة، والعدالة المجالية.
فالمطلوب اليوم ليس فقط إزالة الخيام والعربات، بل بناء تصور شمولي يضمن التوازن بين الحاجة الاجتماعية للبائع، وحق المواطن في فضاء آمن ونظيف ومنظم، دون ذلك، ستظل خريبكة، رهينة لاحتلال ناعم يتغذى من فراغات القانون وصمت الدوائر المختصة.