فتح الله أحمد- المقال المغربي
في كل نقمة باطنها نعمة هي مقولة تنطبق هذه الأيام على المغرب، الذي استغل بذكاء جيد قضية قطع الغاز عليه من طرف عسكر الجزائر المار عبر الأنبوب المغاربي من داخل التراب الوطني نحو إسبانيا والبرتغال، والذي يعتبر أهم شريان استراتيجي لمد أوروبا بالغاز الطبيعي.
إن توقيف العمل بهذا الأنبوب أحدث ارتباكا شديدا لدى الجارة الشمالية إسبانيا خلال نهاية نونبر الذي ودعناه، إذ تحدثت تقارير إعلامية كثيرة هناك عن نقص كبير في التزود بالمادة المذكورة، وارتفاع في السعر بشكل ملحوظ بالرغم من تلك التعهدات والتطمينات التي كان قد وعد بها النظام الجزائري شركاءه الإسبان، بتوفير المادة المذكورة عبر الخط البديل وبناقلات للغاز أيضا.
ويبدو أن التداعيات العكسية التي ارتدت سلبا على الجزائر، حيث كثر الحديث عن عدم وفائها بالتزاماتها تجاه شركائها بالشمال، وجرت عليها انتقادات حادة داخل الاتحاد الأوروبي، الذي ذهب ببعض برلمانييه إلى حد المطالبة بعقوبات اقتصادية على الجزائر جراء ابتزازها السياسي بموضوع الغاز، وهو ما شكل أيضا قناعة في الجنوب لدى السلطات النيجيرية التي كانت مواقفها متدبدبة، بشأن مشروع مسار خط الغاز الإقليمي الذي سيسلكه، إذ لم تكن قبل هذه الواقعة قد استقر قرارها النهائي حول الطريق التي سيأخذه عبرها حيث ظل موقفها ضبابيا، فتارة كانت التقارير الصحفية تتحدث عن ربطه بالمغرب، وتارة أخرى عبر الجزائر.
غير أن الاشارات السلبية التي التقطتها مؤخرا نيجيريا حول ما فعلته الجزائر جعلت دوائر قرارها الاقتصادي في أبوجا تتجه لاستبعاد فرضية الجارة الشرقية من الشراكة في هذا المشروع القارئ والكبير، مبررة ذلك باستحالة المغامرة به بإشراك دولة يخضع حكمها لنظام عسكري متقلب المزاج ولا يراعي المصالح الاقتصادية لشركائه التي تتضرر من الخلافات السياسية .
هذ النقطة فطن لها المغرب وشرع بشكل عملي في أداء دوره للمساهمة في تحقيق مشروع خط أنابيب الغاز البري والبحري مع نيجيريا، وذلك بمباشرة السلطات المغربية وضع مختلف الدراسات والخطط التحضيرية من أجل البدء الفعلي في هذا المشروع الإقليمي. كما أنها استكملت الاستعدادات بإنشائها لقسم المكتب الوطني للمحروقات والمناجم (ONHYM) وهو المسؤول عن مشروع NMGP، حسب ما أوردته Financial Afrik.
هذه الخطوات توضح بشكل يقيني في نهاية المطاف أن خط أنابيب الغاز الإقليمي القادم سيربط بين نيجيريا والمغرب عبر غرب وشمال إفريقيا، حيث سينقل موارد هذه المادة الطبيعية من نيجيريا إلى 13 دولة في غرب وشمال إفريقيا كامتداد لخط أنابيب غاز غرب إفريقيا الحالي (WAGP)، إذ سيربط بين نيجيريا وبنين والطوگو وغانا والكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون مرورا بالسينغال وموريتانيا إلى المغرب، وهو المشروع الذي من شأنه أن يغير وجه هذه الدول بشكل أفضل ويعود بالنفع على شعوبها .