أمكار عصام
في ظلام الأروقة السياسية المغربية، تتربع البنية الحزبية الخفية كلغز لا يزال يحير المراقبين والمواطنين على حد سواء، إن المغرب برغم مساره التاريخي العريق ومحاولاته المستميتة لبناء دولة ديمقراطية مستقرة يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالعديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا السياق تأتي البنية الحزبية الخفية كعامل أساسي تلقي بظلالها على الساحة السياسية المغربية.
البنية الحزبية الخفية: خبايا السلطة
تُعد البنية الحزبية الخفية ظاهرةً تُحيط بالعديد من الأحزاب السياسية في المغرب كظلٍ مظلمٍ يكشف عن خفايا السلطة والسياسة، تعمل هذه البنية في الخفاء والكتمان، وغالبًا ما تكون مجموعة صغيرة من الأشخاص أو الجهات التي تسعى للسيطرة على القرارات والمصالح داخل الأحزاب السياسية .
وفي هذا السياق، يجب أن نضبط بعمق بعض الأمور لفهم مدى تأثير البنية الحزبية الخفية على الحياة السياسية .
التنظيم والتكتم: تتميز هذه البنية بمستوى عالٍ من التنظيم والتكتم، لأنها تتعامل مع القرارات الحزبية وتوجيهها في سرية تامة دون الكشف عن هويتها أو أهدافها الحقيقية .
سيطرة القلة على الأغلبية: غالبًا ما تقوم هذه البنية بالتلاعب بعمليات اختيار المرشحين واتخاذ القرارات الهامة داخل الحزب، وهذا يتيح للقلة الحزبية الخفية فرصة للسيطرة على الأغلبية وبالتالي توجيه سياسات الحزب وحتى بعض القرارات داخل الدولة .
المساءلة والفساد: تعرقل البنية الحزبية الخفية عملية المساءلة الداخلية في الأحزاب، لأن عدم وجود شفافية يجعل من الصعب معاقبة الأعضاء أو الجهات التي تسيء استخدام السلطة أو تورطت في الفساد السياسي أو الانتخابي.
التوتر والصراع: يمكن أن تؤدي البنية الحزبية الخفية إلى تصاعد التوتر داخل الأحزاب، حيث يتصارع أعضاء الحزب في القواعد مع القلة المتحكمة من أجل التأثير على السياسة الحزبية .
ضعف الديمقراطية الداخلية: يكون للبنية الحزبية الخفية تأثير سلبي على الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب، حيث يتم تجاهل آراء الأعضاء داخل القواعد في صنع القرار .
بالإضافة لكل هذا لا بد أن نتساءل عن مخاطر إضعاف الأحزاب من الداخل والخارج
أول الأخطار: مضاعفة الأعباء على المؤسسة الملكية التي تسهر على الملفات الاستراتيجية الكبرى للدولة، فيجعلها أمام ملفات يجب أن يتولاها من يقدرون أهمية التفرغ الاستراتيجي للقضايا الحيوية للدولة
ثاني الأخطار : تصبح الأحزاب الضعيفة قابلة للاحتواء من طرف لوبيات خارج القانون، وقد تتحول إلى شبكات بمطامع أكبر، خاصة في مرحلة يشهد العالم اضطرابات كبرى .
ثالث المخاطر : تهميش المؤهلين لفائدة من لا مؤهلات لهم، مما يجعلهم موضوعيا خارج العملية السياسية، وهذا قد يصل إلى إقحامهم في رهانات خارج المنظومة الوطنية ككل.
إن المطلوب هو التفكير في تنظيم مناظرة وطنية تحت إشراف الجهات العليا ، يكون هدفها تحديد شروط الانشغال بالشأن العام، أي من يستحق أن يقود حزبا، ومن يستحق أن يمثل المواطنين، ومن يستحق أن يستشار في القضايا الاستراتيجية، وكيف نوسع من فضاءات العمل السياسي دون أن يعترضنا تطرف او تعصب أو تحجر، وكيف نوفر للهيئات إمكانيات التربية السياسية فلا يتطاول من لا مؤهلات له عن ميدان المؤهلات، وكيف نتعرف على من يملكون القدرة على متابعة تحولات العالم، دون أن يستغل هذه القدرة في استغلال شخصي، وكيف نقنع جميع الفاعلين بممارسة أعلى درجة للتركيز ليستعيد المغرب مكانته الإقليمية والقارية بشكل تصبح هذه المكانة حقا غير قابلة للمراجعة من طرف القوى المتحكمة في القرار الدولي .
في الساحة السياسية يوجد أميون، وانتهازيون ووصوليون، هؤلاء يجب إبعادهم عن جدار الوطن .
ويجب الإشارة إلى أن المواطن البسيط تجاوز المتعلم والمثقف، وأن الفضاء الوحيد المتاح للمغاربة للتداول هو المجالس الخاصة، وهذا وضع لا يجب الإستهانة بتفاعلاته القادمة .
الأهم من هذا، هو تنامي إزدواجية الانتماء لدى عموم المغاربة، فلم يعد انتماؤهم إلى المغرب فقط، بل ينتمون أيضا إلى العالم، فقد يتوفر مواطن بسيط على معلومة دولية قبل الوزير في كثير من الأحيان .
التأثيرات:
يعود تأثير البنية الحزبية الخفية على الأحزاب السياسية إلى تأثيرات سلبية عديدة، منها :
تقويض الديمقراطية الداخلية : إذ تمنع هذه البنية مشاركة أعضاء الحزب الحقيقيين في صنع القرارات، مما يضعف أسس الديمقراطية الداخلية .
التنقيص من دور الأحزاب السياسية : إذ تؤدي هذه البنية إلى تحكم مجموعات محددة في اتخاذ القرارات السياسية، مما يقلل من دور الأحزاب السياسية في توجيه مسار الحياة السياسية .
زيادة الفساد السياسي : إذ تحمي هذه البنية الخفية الجهات المسؤولة عن القرارات من المساءلة، مما يزيد من مستويات الفساد السياسي .
التحديات المستمرة في المغرب:
منذ استقلال المغرب عام 1956، تواجه البلاد تحديات متجددة بسبب وجود البنية الحزبية الخفية، هذه التحديات أثرت سلبًا على مصير البلاد وساهمت في تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
مقارنة بين حكومة عبد الله إبراهيم وحكومة أخنوش: دروس من تاريخ المغرب
هنا سنقوم ببعض التوضيح لنفهم تأثير البنيات الحزبية داخل الحكومات ونأخذ بذلك مثالين حيين وهما حكومة عبد الله إبراهيم وحكومة أخنوش، وكيف تأثر المغرب بالسياسات المتبعة من قبل الحكومتين .
حكومة عبد الله ابراهيم (1958-1960)
التكوين الحكومي: كانت حكومة عبد الله إبراهيم حكومة منفتحة على التيارات الأساسية للمجتمع، وهذا التوازن في التكوين ساهم في تعزيز الشرعية الحكومية .
البرامج والإنجازات : تميزت حكومة إبراهيم بتطبيق برامج تنموية طموحة تركز على التحسينات الاقتصادية والاجتماعية، وشهدت فترتها إنجازات ملموسة في مجالات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية .
استقرار البلاد : امتازت حكومة عبد الله إبراهيم بالاستقرار والتوافق السياسي، مما ساعد على تجنب الأزمات الكبرى .
حكومة أخنوش (2021-حاليًا):
التكوين الحكومي : حكومة أحادية، مظهرها سياسي، وممارستها تكنوقراطية، في لحظة يصعب على التكنوقراطي أن يكون واثقا من نفسه، أمام ما يمتلكه البنكوقراطي صاحب الثقافة المصرفية و الذي يتابع تحولات الأوضاع المالية في العالم المتجه نحو نظام عالمي بعملات جديدة، وبورصات جديدة واحتياطات مشددة ضد زلازل مالية محتملة .
البرامج والأولويات: ركزت حكومة أخنوش على بعض الإصلاحات الاقتصادية التي لم تعط أكلها لحدود الساعة وتقليص الإنفاق الحكومي، وقد شهدت الفترة الحالية تحديات اقتصادية كبيرة مثل ارتفاع الأسعار والمحروقات وارتفاع معدلات البطالة .
الاستقرار السياسي: شهدت حكومة أخنوش توترات سياسية واحتجاجات اجتماعية، مما يمكن أن يقود إلى التأثير على الاستقرار والسلم داخل المجتمع .
في الختام يظهر بوضوح أن البنية الحزبية الخفية تشكل تحديًا جادًا للأحزاب السياسية في المغرب. لأنها تلقي بظلالها على الساحة السياسية وتعيق التقدم نحو دولة ديمقراطية حقيقية .
لن يكون هناك أي تقدم حقيقي في البلاد إلا إذا تم التصدي بجدية لهذا التحدي، فالمفروض هو التعاون والتصدي كل من موقعه، سواء كان ذلك من خلال الجهود الحكومية أو المشاركة المدنية، لتعزيز الديمقراطية الداخلية للأحزاب وزيادة مستوى الشفافية والمساءلة .
المغرب يمتلك الإمكانيات والموارد لتحقيق الازدهار والاستقرار، وإن تخطي هذه التحديات سيجعل منه دولة قوية وصلبة ، تتقدم نحو مستقبل أفضل لجميع مواطنيها، بالعمل المشترك والالتزام بالإصلاحات، يمكننا بناء مغربٍ يزهو بالتقدم والعدالة والديمقراطية .
وما يجب انن يقال بأقصى درجات الجهر، ونحن في أجواء إعادة اعمار المناطق المنكوبة، هو أنه في الوقت الذي أراد العالم أن يتعرف على المغرب العميق، سارع التضامن الشعبي ليفرض على العالم زاوية النظر، وهذه رسالة شعبية :
نحن في الايام العادية مواطنون، وفي الايام غير العادية وطنيون، لكن على النخبة المغربية بكل أطيافها، أن تكون في مستوى الشعب الاصيل الحكيم .