أمكار عصام
هناك أمور لا يفهمها بعض الساسة الحاليين، مثل أهمية الأدوار التي يلعبها الأفراد في مسار تاريخي، بنسودة كان مستشارًا ملكيًا، وحين عينه الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1975 عاملاً على الساقية الحمراء، اعتبر ذلك ترقية، لأن منصب عامل الساقية الحمراء أكبر من منصب مستشار ملكي. هذا يدل على أن المناصب الكبرى لا تُقَيَّم بالسلالم الإدارية أو المعطيات البيروقراطية، بل لقيمتها التاريخية، وهنا يكمن أصل الخلاف بين من يرون السياسة من منظور تاريخي ومن يرونها بمنظور بيروقراطي ضيق .
أحمد عصمان، على سبيل المثال، لم تبرز مكانته من كونه رئيسًا للحكومة فقط، بل لأنه كان في مقدمة المشاركين في المسيرة الخضراء، هذه الأحداث التاريخية هي ما تجعل للسياسة قيمة عميقة تتجاوز الأدوار الإدارية البحتة، السياسة التي تعترف بالتاريخ وتجاربها الكبرى تكون أكثر تأثيرًا وثباتا، فالتاريخ هو الذي يمنح الأدوار السياسية عمقها وتأثيرها
استمرار تجربة عبد الرحمان اليوسفي كان يُعتبر من قبل البعض تهديدًا لتأثيره، لكن في الواقع، استمرار اليوسفي كان يجعله أكثر قدرة على التأثير، لأنه كان سيمارس سياسة رفيعة ويساهم في خلق الحدث التاريخي.
وجود أمثال اليوسفي في الساحة السياسية، سواء كانوا يمينيين أو يساريين، هو ما يجعل المستشير سياسيا، وما يجعل المستشار سياسيا، لأنه يضمن أن تكون السياسة مؤثرة وشاملة، مما يعزز التوازن المطلوب في المجتمع.
المناصب السياسية ليست مجرد مناصب إدارية، بل هي مسؤوليات تاريخية تتطلب فهماً عميقاً للتاريخ وتأثيره على الحاضر والمستقبل. السياسة الناجحة هي تلك التي تعترف بقيمة الإنجازات التاريخية وتستمد منها القوة والتأثير.
وهنا يظهر الفارق بين من يريدون ممارسة السياسة كفن تاريخي وبين من يرونها كإدارة تفصيلية محدودة.
استمرار مشروع التناوب كان سيمنح جميع الساسة الفرصة لممارسة أدوار حقيقية وضرورية. السياسة هي حذر بدون خوف، وليست خوفًا بلا حذر.
رجل السياسة الحقيقي هو من يرفع مستويات الدولة والمجتمع والتفاعل بينهما، ويرى في تدني المستوى خطرًا يهدد الاستقرار والاستمرار.
السياسة هي إنجازات تحمل بصمة صاحبها وتكون جزءًا من التاريخ الذي لا يُنسى.
السياسة كشأن عام قابل للتحول إلى شأن تاريخي تعتمد على إصرار من يمارسها.
كثير من الساسة الحاليين يظهرون ككائنات بلطجية، يتجاوزهم الزمن بسرعة، وينساهم التاريخ.
من لا علاقة له بالتاريخ، لا مكان له في أرض لها تاريخ عريق.
العالم يتغير والجغرافيا تشهد توازنات جديدة، ومن يستقوي بالأجنبي لا يمكن أن يثق في شعبه، ومن لا يثق في شعبه لا يمكن أن يثق في نفسه، ومن لا يثق في نفسه، كيف يمكنه أن يحكم غيره؟
السياسة تبدأ بالثقة في النفس، وكلما ارتفعت هذه الثقة، زادت مساحة إشعاعها في المؤسسات والأفراد، في العلاقات والأدوار.
الثقة بالنفس تعزز من قدرة السياسي على تحقيق إنجازات تاريخية، ترفع من شأن الدولة والمجتمع وتؤسس لاستقرار دائم.
لذلك، فهم دور التاريخ في السياسة هو مفتاح النجاح والاستمرارية في عالم متغير.
التاريخ هو القاعدة التي ترتكز عليها السياسة الناجحة، وهو ما يمنح السياسي القوة والتأثير. في عالمنا اليوم، يجب على الساسة أن يدركوا أن السياسة ليست مجرد إدارة يومية، بل هي مسار تاريخي يتطلب رؤية وفهماً عميقاً للتجارب التاريخية الكبرى التي شكلت حاضرنا وستؤثر على مستقبلنا.
هذه الرؤية هي ما يجعل من السياسة فناً سامياً يتجاوز التفاصيل البيروقراطية ليصبح قوة تغيير حقيقية وثابتة
يقول الشاعر الأضبط بن قريع السعدي التميمي
وَيَقطَعُ الثَوبَ غَيرُ لابِسِهِ
وَيَلبِسُ الثَوبَ غَيرُ مَن قَطَعَه