أمكار عصام
تعيش المجتمعات الحية، بما فيها المجتمع المغربي، دينامية مستمرة بين مكوناتها المختلفة. ففي فترات معينة، قد يتصاعد الصراع بين المجتمع والدولة، وفي فترات أخرى، قد يتحقق نوع من التوازن أو التوافق بينهما .
**الصراع بين المجتمع والدولة**
يمكن أن يرجع الصراع بين المجتمع والدولة إلى عدة عوامل، منها :
* **عدم التوافق في المصالح :** فمثلاً، قد يطالب المجتمع بمزيد من الحريات والديمقراطية، بينما قد تسعى الدولة إلى الحفاظ على الاستقرار والسيطرة .
* **انعدام الثقة المتبادلة:** فعندما يشعر المواطنون أن الدولة لا تلبي احتياجاتهم أو لا تمثل مصالحهم، فإنهم قد يفقدون الثقة بها .
* **الفساد والانحراف:** فعندما تنتشر الممارسات الفاسدة والمخالفة للقانون داخل الدولة، فإنها تفقد مصداقيتها في أعين المواطنين .
في حالة المغرب، شهد المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة عدة احتجاجات وحراكات شعبية، مثل حراك الريف وحراك جرادة . وقد ساهمت هذه الاحتجاجات في بروز صراع أدى إلى صدامات مع الدولة مباشرة
**كيف تتحكم الدولة العميقة في المجتمع؟**
يشير مفهوم الدولة العميقة إلى مجموعة من القوى والمصالح التي تسيطر على الدولة من وراء الكواليس وخلف الستار . وتشمل هذه القوى النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية .
وقد تتحكم الدولة العميقة في المجتمع من خلال عدة وسائل، منها:
* **السيطرة على وسائل الإعلام:** ، حيث تعمل الدولة العميقة على استخدام وسائل الإعلام لنشر الدعاية والترويج لمصالحها .
* **التحكم في النظام العام :**، حيث تسعى الدولة العميقة إلى الحفاظ على النظام السياسي القائم الذي يضمن لها السيطرة والإستمرارية .
* **استخدام القمع :**، حيث لا تتردد الدولة العميقة في استخدام القمع ضد المعارضين والمطالبين بالإصلاح.
**هل الدولة العميقة هي الملكية في المغرب ؟**
لا يمكن القول بأن الدولة العميقة هي الملكية بشكل مطلق، ففي المغرب، هناك العديد من القوى والمصالح الأخرى التي تشارك في تشكيل الدولة العميقة .
ولكن، يعتقد العديد من المحللين أن الملكية المغربية تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الدولة العميقة. فملك المغرب هو رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أنه يتمتع بصلاحيات واسعة في مجال التشريع والقضاء والشؤون الدينية .
**الفرق بين المخزن والملكية**
يشير مفهوم المخزن إلى مجموعة من المؤسسات والهياكل الإدارية والمالية التي تسيطر عليها الدولة. وتشمل هذه المؤسسات وزارة الداخلية والديوان الملكي والمصالح الأمنية المتنوعة .
ويختلف المخزن عن الملكية في أنه مؤسسة إدارية ومالية، بينما الملكية مؤسسة سياسية.
**التعايش الذي يقبل مسارات الإصلاح المستمر**
لتحقيق التنمية والتقدم، لا بد من تحقيق نوع من التوافق والتوازن بين الدولة والمجتمع . وهذا التوافق لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الضرورة الملحة للتعايش المفتوح على مسارات الإصلاح المستمر .
ولكي نشهد هذا الاتحاد، لا بد من:
* **تعزيز الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع:**، وذلك من خلال ضمان سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان .
* **إشراك المجتمع في صنع القرار:** وذلك من خلال تعزيز الديمقراطية ووصول من يستحق لمراكز المسؤولية .
* **مكافحة الفساد والانحراف:** وذلك من خلال تطبيق القانون على الجميع دون استثناء .
**إبعاد المتطفلين عن السياسة**
توفر شرط الوحدة بين الدولة العميقة والمجتمع العميق مرتبط أساسا بإبعاد المتطفلين عن السياسة. والمقصود بالمتطفلين هم الأشخاص الذين لا يهتمون بمصالح الوطن والمواطنين، بل يسعون فقط لتحقيق مصالحهم الشخصية .
ولكي يتم إبعاد هؤلاء عن السياسة، لا بد من :
* **تقوية المؤسسات السياسية والحزبية:**، وذلك من خلال ضمان استقلاليتها وفاعليتها.
* **تعزيز وعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم السياسية:** وذلك من خلال البناء على ثقافة التربية السياسية والإعلامية والحقوقية .
-تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد: من خلال تعزيز الشفافية في العمل الحكومي وتكثيف جهود مكافحة الفساد لضمان النزاهة والاستقلالية داخل كل المؤسسات
-تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار: عبر تشجيع المشاركة الفعّالة في العملية السياسية وتوفير الفرص للتعبير الديمقراطي .
الدولة العميقة أمام محاذير كثيرة تحيط بدورها الوطني ككيان معني باستمرار الدولة:
– عليها أن تتفحص ذاكرتها جيدا، لإعادة تقييم كوارث الماضي .
– عليها أن لا تستهين بأدوار الوساطة التي على التنظيمات السياسية والمدنية أن تقوم بها .
– عليها أن تدرك بأن عصرا جديدا قادما، سيجرف دولا عديدة في العالم، عصر بأنظمة معرفية ومالية جديدة بطبيعة انقلابية .
– عليها أن تدرك أن كل نتائج الحرب العالمية الثانية، وكل الخرائط الناشئة عنها عرضة للزوال .
-عليها أن تدرك أن الاقطاب الدولية التي هي قيد النشوء، ستتعامل مع دول المنطقة المغاربية ككيان واحد، لا كامتداد جيوسياسي تخترقه تناقضات الماضي المرشح للزوال .
– عليها أن تتخلى كليا عن نزعة اختراق الاحزاب والهيئات المدنية، لأن هذه الأخيرة صارت على هامش التفاعل الاجتماعي العام، وإن العصر يفرض واجبات تنظيمية جديدة.
– عليها ان تدرك أنها موجودة في الواقع، لوجود معادل لها هو المجتمع العميق، وهو مجتمع مرشح للانعزال والبحث عن صيغة توازن خارج المشترك المتعارف عليه
-عليها أن تدرك أن العالم قادر أن يعرف عنا، ما لا نعرفه عن أنفسنا، وقادر أن يستغل جهلنا بأنفسنا لفائدة اجندات اضطرابية .
– عليها ان تختار طريق الشفافية واحترام الحريات، ليصبح المزاج العام وبإرادة حرة كتابا مفتوحا .
– عليها ان تدرك أن فترة الاستقلال ثلاثة مراحل، مرحلتان انتهتا، ومرحلة ثالثة يجب ان تبدأ:
-مرحلة ابتدأت بالأية الكريمة ( الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن )، 16 نونبر 1955.
-مرحلة ابتدأت بالأية الكريمة (وإذا عزمت فتوكل على الله )، 6 نونبر 1975 .
أما المرحلة القادمة والتي يجب أن تبدأ دون تردد، فيجب الاستعداد لها باعتبارها معركة وجود وحفظ المصير .
وفي الختام، يجب أن نسمع ما يؤكد التاريخ، عندنا وعند غيرنا:
المعرفة السياسية العميقة معرفة بالتراكمات الخفية، وكل معرفة هي معرفة احتمالات، بعضها منتظر، وبعضها مفاجئ .
والعالم الذي يحكمه غيرنا، لا يهمه استمرار واستقرار الدول .