المقال المغربي – أ ف ب
يعاني المغرب من تنامي ظاهرة الاعتداء على النساء حسبما كشفته أرقام حكومية نشرت في السنوات الأخيرة، حيث تعرضت امرأة من اثنتين للاعتداء الجنسي وفق إحصائيات 2019.
وللتصدي لهذه الظاهرة التي وصفتها مغربيات في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية بأنها “مشكلة مجتمعية”، أقبلت العديد منهن على تحميل التطبيق الفرنسي “ذي سوروريتي” أو الأخوية النسائية للتبليغ الفوري عن الاعتداءات الجنسية ودعم الضحايا.
وصل التطبيق الفرنسي “ذي سوروريتي” أو الأخوية النسائية والذي دشن العام الماضي، إلى المغرب في 16 أكتوبر/تشرين الأول، ما أعطى بصيص أمل لأولى المستخدمات اللواتي نددن بتفشي العنف الجنسي ضد النساء في مجتمعهن.
وفي هذا الشأن، قالت المؤسسة والرئيسة التنفيذية للتطبيق بريسيليا روتييه تريلارد: “لو نجحنا في مساعدة النساء ضحايا العنف في فرنسا، فبإمكاننا القيام بذلك في كافة دول العالم”.
وقد دفع هذا الرهان الشابة الباريسية البالغة من العمر 34 عاما، لنشر التطبيق في الضفة الأخرى من المتوسط. حيث أن تطبيق “ذي سوروريتي”، والذي أطلقته بفرنسا في سبتمبر/أيلول 2020، قد وجد له مستخدمين لأول مرة بالمغرب شهر تشرين الأول/أكتوبر.
وفكرة التطبيق هي دعوة النساء والأقليات الجندرية، إلى التصدي الجماعي لكافة أشكال العنف، سواء كان داخل الأسرة، في الشارع، أو في مكان العمل. وللقيام بذلك، يتوفر “ذي سوروريتي” على مجموعة من الأدوات التي تسمح بالإبلاغ الفوري عن الخطر، من خلال زر التنبيه الذي يرسل إشعارا إلى المستخدمين المتواجدين في محيط الشخص المبلغ، بواسطة نظام تحديد الموقع الجغرافي.
كما يمكن للضحية التفاعل مع المستخدمات الأخريات والحصول على مساعدة فعلية أو دعم معنوي عبر خدمة الرسائل الفورية. وتضيف بريسيليا روتييه تريلارد بأن التطبيق هو بمثابة مجموعة شعارها “الاهتمام”.
مشكلة مجتمع
وفي السياق، قالت سارة البالغة من العمر 32 عاما وهي من بين أوائل النساء المستخدمات للتطبيق في المغرب، إنها قد واجهت منذ سن الرابعة عشرة من عمرها أي خلال المراهقة، التحرش بشكل مستمر في الطريق بين المدرسة والمنزل.
وتضيف أن أحد الصبية قد اعتدى جسديا على أختها الصغيرة أمل وعمرها آنذاك 13 عاما، مشيرة إلى أنه ورغم أنهما قد نشأتا في حي “الأميرات” الراقي في مدينة الدار البيضاء، لكن “في المغرب يمكن أن نتعرض للتحرش في كل مكان تقريبا ومن كل أصناف الرجال”.
وتابعت سارة أنه من الخطأ تحميل الأنثى الذنب حسب نمط لباسها، وتقول: “حين يدرك المعتدي أنك امرأة، انتهى أمرك. مهما كان القماش الذي يغطيك”. وتتذكر سارة الخريجة من كلية الحقوق في بوردو بفرنسا، أنها لم تشعر أبدا “بدرجة التهديد العالية” حين كانت تعيش بعيدا عن بلدها، وتضيف: “نحن أمام مشكلة مجتمعية فعلية في المغرب. حان الوقت للتوقف عن حجب وجوهنا”.
وبالنسبة لسارة، كما هو الحال عند كافة الأشخاص الذين اتصلت بهم فرانس24، يبدأ التحرش منذ سن البلوغ “عندما تكون مغربيا، فإنك تفهم أنك لم تعد طفلا حين يرمقك بعض الرجال الذين هم في سن والدك، بتلك النظرة الشهوانية”.
من جهتها، لم تتردد أسماء الورخاوي في التسجيل بالتطبيق منذ إطلاقه في المغرب. وترتدي هذه الشابة البالغة 39 من عمرها وتعمل في مجال الكمبيوتر، زيا “مسترجلا”، حيث أن “ارتداء التنورة قد ينطوي على كثير من المخاطر. لا يجب الاعتقاد أن اللباس التقليدي يحمي من الشهية الذكورية: صديقاتي المحجبات هن أيضا مستهدفات” على حد قولها.
تحميل الذنب للضحية
وفي المغرب، قد يصيبك عدد الاعتداءات الجنسية المسجلة في الآونة الأخيرة بالدوار: اعتداءات جنسية مصورة نشرت على شبكة الإنترنت من قبل المعتدين أنفسهم. عائلات تتكتم على عدد لا يحصى من حالات سفاح القربى، اغتصاب الأطفال، الاعتداء الجماعي على عجوز تبلغ من العمر 96 عاما.
وأظهر تحقيق نشر في 2019، وأجرته وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في المغرب، بأن امرأة مغربية من اثنتين أكدت تعرضها للاعتداء الجنسي، وتجرأت فقط 6 بالمئة من بينهن على إيداع شكوى. كما أظهرت الإحصائيات التي نشرتها السلطات المغربية بأن امرأة واحدة من عشر هن من ضحايا العنف الزوجي تضع حدا لعلاقتها الزوجية.
في نفس الموضوع، قال كافة الأشخاص الذين اتصلت بهم فرانس24 إنهم يعرفون نساء تعرضن للاغتصاب أو التعنيف من قبل أزواجهن. لكن لم توافق أي واحدة على الحديث رغم الوعود بإخفاء الهوية والتزام أقصى قدر من التكتم.
وقالت الصحافية زينب أبو الفرج من الدار البيضاء إنه لا شيء مفاجئ “حيث إن التيارات الأكثر تحفظا في مجتمعنا نجحت في تلقين الكثير منا بأن المرأة ضحية الاغتصاب بسبب طريقة لباسها وبأنها حتى تستحق ولو القليل مما يقع لها”.
وفي ظل هذه الأوضاع، تم إنشاء سلسلة ويب #TaAnaMeToo وهي عبارة عن رسوم متحركة تخفي هوية أربعة من ضحايا الاغتصاب اللواتي يكسرن أخيرا حاجز الصمت.
وكانت زينب هي الأخرى قد أخفت منذ فترة طويلة صدماتها التي باتت بمثابة جرح مخز. وحتى هذا اليوم، لم تكن تتجرأ على إطلاع أي صحافي عن ذلك اليوم الذي أحيطت فيه بمجموعة من الشبان الذين ضايقوها في حي أكدال النشط والحيوي في الرباط. ولم تكن زينب تبلغ حينها بعد 15 عاما. وتقول هنا: “إن مساعدة النساء الأخريات على مشاركة أوجاعهن يخفف آلامي”.
جمهور لا يزال محدودا
بدورها، قالت مستشارة التنمية الدولية لبنى رايس بحسرة: “لو أتيحت لي فقط الإمكانية للوصول إلى أداة مثل “ذي سوروريتي” في 2004″. ففي تلك الليلة، أنقذت معجزة لبنى من محاولة اغتصاب، حيث وجدت نفسها وحيدة في مدينة لا تعرفها. وضمن مجموعة نشطاء من جماعة “مساكتش” (لن نصمت)، لطالما حلمت لبنى بتطوير تطبيق للدعم النسائي. وبالتالي فقد أصبح الانضمام إلى التطبيق الفرنسي بالنسبة لهذه الأربعينية شيئا طبيعيا.
والتحقت لبنى بنحو 117 امرأة مغربية قمن بتحميل التطبيق منذ 16 أكتوبر/تشرين الأول. لكن نحو أربعين منهن فقط قمن بالتسجيل بشكل فعلي، وخصوصا في المنطقة بين الرباط والدار البيضاء.
لكن وبالرغم من أن المغرب يتمتع بشبكة إنترنت متطورة نسبيا، فإن 75 بالمئة فقط من مواطنيه يمتلكون هاتفا ذكيا. إلى جانب ذلك، فإنه وفي ظل حد أدنى للأجور يبلغ 2829 درهما شهريا ما يعادل 271 يورو، ومع سعر إعادة شحن يبلغ 10 دراهم أو يورو واحد لكل جيجابايت، فمن من المغاربة لديه رفاهية تحميل تطبيق متصل؟ تسأل راو مبتكرة حساب “Sobisate.tv” على إنستاغرام، وهو عبارة عن فضاء مخصص للقضايا النسائية والأقليات الجندرية في منطقة شمال أفريقيا.
تضيف راو التي سجلت بدورها في التطبيق: “لا يجب أن ننسى أن الأمر يتعلق بتطبيق فرانكوفوني وبالتالي فإنه لا يصل إلى الأوساط الناطقة حصرا بالعربية أو الأمية، وهي الغالبية في بلدنا”.
مجتمع يحتاج إلى أخوية نسائية؟
أقدمت الراقصة مايا دبيش في يناير/كانون الثاني 2021، على التهكم وإهانة بعض ضحايا الاغتصاب اللواتي، على حد تعبيرها، استفززنها في بعض الحالات.
وعقب اعتداء جنسي في سبتمبر/أيلول الماضي، على امرأة شابة وسط الشارع في مدينة طنجة (شمال المغرب) من قبل صبي يبلغ من العمر 15 عاما والذي شارك الفيديو على الإنترنت، أجرت قناة “ChoufTV” مقابلة أظهرت جارة الصبي المعتدي وهي تدافع عنه وتجرم الفتاة الصغيرة.
ويعد “تجريم الضحية” ظاهرة شائعة في المملكة الشريفية (المغرب) حيث تستقطب بعض النساء اهتمام وسائل الإعلام المغربية وتثير في المقابل حفيظة الأوساط النسائية. وتقول سارة: “دعونا لا نسقط في فخ التبسيط الذي يقوم على اعتبار المرأة كأحد ألد أعداء المرأة”. وتضيف الشابة بأن هذا هو “الاغتصاب الثاني” الإعلامي من قبل النساء قليلات السخط. هذا يفسر المجتمع الذي نعيش فيه والذي يطبع ويغرس في الرجال والنساء على حد سواء، فكرة أن النساء هن المخطئات. وباتت الجهة المسيطر عليها تتكيف داخليا لدرجة أنها انتهت بتبني هذا الاعتقاد.
وتختم الشابة المغربية أنه وفي نهاية السباق، يبعدنا هذا الجدل عن المشكلة الأصلية، وتقول: “التفكير الأبوي، يرعى الوحشية التي تواجهها النساء هنا كل يوم”.
ريح جديدة
وتعتبر زينب أبو الفرج أنه وبرغم أن “الوضع يبدو حالكا، فإن ريحا جديدة تهب في المغرب”. وتضيف الصحافية التي قررت الانضمام إلى تطبيق “ذي سوروريتي” بعد مقابلتها مع فرانس24 أن “الشباب المغربي الذي كان مقيدا في الماضي، يملك اليوم سلاحا لم يكن لأسلافه الحظ في الحصول عليه، وهو الشبكات الاجتماعية”.
وفعلا، نقلت العديد من الحسابات على منصات التواصل خصوصا في إنستاغرام مثل (Sobisate.Tv وNo.hchouma وLa vie d’une Marocaine) مئات الشهادات حول المضايقات التي تتعرض لها النساء والفتيات والأقليات الجندرية في المملكة. إلا أن المسألة لم تعد تتعلق فقط بالعنف الجنسي، بل باتت تمتد لكشف اللثام وإدانة الأرضية التي تغذيها: “إنكار قسم من الأسرة وأجهزة الدولة في المغرب”.
وتقول سارة في هذا الإطار: “تغرس المجتمعات الأبوية عموما وفي المغرب خصوصا فكرة أن النساء الأخريات هن أولا منافسات. لكن تطبيق الأخوية النسائية هو بمثابة ثورة في المغرب، لأنه يكشف لنا أن هذا غير صحيح”.
وينظم مجتمع التطبيق جلسات لتحضير الأشخاص المسجلين لكيفية التعامل مع حالات الاعتداء، ويتم خلالها تنشيط إنذار كاذب في إطار التدريب. وفي أحد تلك الاختبارات، اعتقدت بعض المستخدمات أن الإشعار الذي أصدرته سارة في ذلك اليوم كان حقيقيا. ومن ثمة اتصلت جميع المشاركات بها فورا حتى إنهن سعين للمضي نحوها لإبعادها عن الخطر. وعلقت سارة: “لقد فهمت أن الأخوية النسائية يمكن أن تدفع النساء إلى قطع كيلومترات لإنقاذ امرأة غريبة تماما”. وتضيف: “لقد ملأتني هذه اللحظة بقوة جديدة”.