جبير مجاهد من الرباط
احتضنت قاعة المحاضرات بكلية علوم التربية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، ندوة علمية حول موضوع ’’ التراث المادي واللامادي ودوره في تعزيز التنمية المستدامة’’ والتي نظمها طلبة ماستر تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية.
أطر هذه الندوة كلا من الدكتور نور الدين فردي والدكتور عبد العالي فاتح وأطرها باقتدار الدكتور محمد صهود، بحضور الدكتور محمد قفصي، وحضور عدد من طلبة الفصل الأول والفصل والثالث ماستر تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية.
انطلق هذا اللقاء بكلمة ترحيبية لمنسق الماستر المذكور، الدكتور محمد قفصي، مذكرا بأهمية هذا اللقاء الذي يأتي في إطار السعي لتكوين طلبة الماستر وانفتاح الكلية على مختلف الطاقات الوطنية، كما تقدم بجزيل شكره للسيد عميد كلية علوم التربية على مجهوداته في سبيل إنجاح كل اللقاءات والتظاهرات، ثم تناول الدكتور محمد صهود الكلمة الذي ذكر بالسياق العام لهذا اللقاء، الذي سيؤطره أستاذان لهما من المؤهلات العلمية والكفاء ما يجعلهما قادران على مناقشة وملامسة هذا الموضوع.
في مستهل كلمته انطلق الدكتور نور الدين فردي، وهو أستاذ باحث في التاريخ المعاصر وحاصل على الدكتوراة في التراث المعاصر في منطقة الدار البيضاء، وأستاذ زائر بكلية الآداب عين الشق وعضو مختبر السرديات، شارك في العديد من الندوات وساهم في عدة مجلات علمية، من مقاربة للتراث المادي واللامادي بمنطقة الشاوية، مسلطا الضوء على العلاقة بين التراث والتاريخ وهي علاقة جدلية رغم الاختلاف في منهج كلا منهما، كما ركز على البعد التاريخي في معالجته لموضوع التراث، شأنه شأن باقي المتخصصين الذين ينظرون إلى التراث كلا من زاوية تخصصه.
كما أشار إلى أن الدافع الرئيسي الذي جعله يركز على المجال الجغرافي للشاوية، هو كونه مجال جغرافي متنوع من جهة، ومن جهة ثانية كون هذه المنطقة تلاقي عدم اهتمام بارز من طرف الجهات المسؤولة، باستثناء مبادرة أطلقتها وزارة الثقافة سنة 2005، من أجل جرد التراث المادي عبر فريق متخصص، لكن هذه التجربة ظلت حبيسة رفوف وزارة الثقافة ولم يتم الافراج عنها إلى يومنا هذا.
وفي معرض حديثه عن التراث المادي بمنطقة الشاوية، ركز على منطقة ’’إنسان سيدي عبد الرحمان’’ ومنطقة ’’طوما’’ بمدينة الدار البيضاء، حيث أكدت الأبحاث التي أجريت في الفترة الاستعمارية على هذه المنطقة، أن الانسان عاش بها ما بين 400 الى 700 سنة، كما أوضح أن منطقة الشاوية هي منطقة غنية تاريخيا، فهناك مقابر وبنايات ومدن ترجع إلى العصر الوسيط لكن ضعف الأبحاث الاركيولوجية حال دون الكشف عنها.
وفي أواخر العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، أكد الدكتور فردي، على ظهور مجال جديد، وهو مجال الشاوية الذي كان يدعى تامسنا وتعني بالأمازيغية السهل الكبير، مبرزا أن هناك بعض المصادر التي تحدثت عن العديد من المدن لكنها مهدمة.
وفي نفس السياق، ذكر الباحث ببعض المآثر البرتغالية، مثل مسجد سيدي بليوط وبعض القصبات كقصبة القائد برشيد التي شيدت في القرن 19، والقصبة الإسماعيلية التي بنيت في القرن 17 وتمت إعادة بنائها من طرف القائد المعطي في القرن 19.
وفي سياق حديثة عن بعض الاكراهات التي تواجه التراث المادي، أوضح الأستاذ نور الدين فردي، أن المستعمر الفرنسي لعب دورا بارزا في تدمير جزء كبير من هذا التراث، خاصة وأن السلطات الاستعمارية، دخلت المنطقة قبل فرض الحماية، ودمرت جزء كبيرا من تراثها بسبب بسالة المقاومة المغربية التي واجهتها، وهو ما ينطبق حتى على التراث اللامادي والفكري، الذي سعى المستعمر الفرنسي إلى طمسه والقضاء عليه، وفرض تراث آخر مكانه وهو التراث الكولولياني، ما يطرح تساؤلات عريضة، حول كيفية التعامل مع هذا التراث أهو جزء من تراثنا وجب التعامل معه واحتضانه؟ أم تراث دخيل وجب رفضه وإقصائه؟
بعد ذلك انتقل إلى تسليط الضوء على أهم أنواع التراث اللامادي الذي تزخر به منطقة الشاوية خاصة على مستوى النص الشفهي كالغناء مثل: العلوة واعبيدات الرمى والعديد من أنواع العيطة، وكذلك الفروسية كتراث إنساني.
من جهته انطلق الدكتور فاتح عبد العالي، وهو أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس وأستاذ سابق بمعهد التراث ورئيس شعبة الجغرافيا، ساهم في تنظيم عدة ندوات وطنية ودولية، بحديثه عن علاقة التاريخ بالجغرافيا، مبرزا استحالة فصل الاثنين عن بعضهما البعض، منطلقا من إشكالية عريضة شكلت محور مداخلته المعنونة ب ’’ دور التراث الثقافي في تعزيز التنمية الجهوية المستدامة’’، وهو كيفية تجسيد التراث المادي واللامادي على الخريطة؟
وفي معرض جوابه عن هذه الإشكالية، عرض بعض النقط الأساسية التي سيتطرق لها في معالجته لهذه الإشكالية، مثل التراث الثقافي على المستوى المجالي؟ ثم مفهوم التراث الثقافي؟ مرورا بأهمية الأطالس في التعريف بالمؤهلات المجالية؟ وانتهاء بإشكالية التقطيع الثقافي للمجال المغربي (نحو جهات ثقافية)؟
وأبرز الباحث عبد العالي فاتح أن التراث الثقافي المغربي يتميز بالغنى والتنوع بسبب الحضارات التي عايشها والدول التي تعاقبت على حكمه، ما أعطانا تراثا وطنيا غنيا، وجب الحفاظ عليه، على الرغم من الميزانية المهمة التي يتطلبها، أثناء عملية حصره، وهذا ما يستلزم إدماج الجامعة في محيطها الاقتصادي والاجتماعي بهدف إنعاش التراث الثقافي بغية إجراء تغطية شاملة وعملية تعداد شاملة ودراسات دقيقة.
كما عُرِّف التراث كونه ترجمة للمؤسسات والقيم وطريقة العيش وتصور الانسان لمسكنه. فهو كل ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، وهو ذاكرة جماعية محلية وطنية. وينقسم إلى تراث مادي ولامادي.
كما ميز بين التراث المادي غير المنقول مثل المواقع الاركيولوجية كالمدن العتيقة والقصبات المخزنية والقصور والقصبات والتراث المعماري الأوربي والمخازن الجماعية والمواقع الإسلامية، ثم التراث المادي المنقول مثل بعض الأدوات والحِلي وغيرها …
وانتقل الحديث عن التراث الثقافي غير المادي أو الشفوي باعتباره ذاكرة شعبية ترسخت عبر التاريخ، فهو متنوع ومتعدد على شكل مهارات وحرف يدوية وموسيقى ورقص ولباس وعادات…
كما أثار بعض الإشكاليات أو الاكراهات التي تواجه الحفاظ على التراث، منها: ضعف معارض التراث الثقافي وضعف الإصدارات العلمية وغياب يوم عالمي للاحتفال بالمعالم التاريخية والمتاحف، غياب مقاربة مجالية للتعامل مع مختلف مكونات الظاهرة الثقافية بالمغرب، فضلا عن التأخر الحاصل في وضع نظام معلومات ثقافي وطني/جهوي قابل للتحيين والتطعيم المباشر، ثم افتقار الأطالس لتجسيد التراث الثقافي، مختتما مداخلته بعرض لمجموعة من الخرائط التي أنجزها تجسديا لأهم المعطيات الثقافية وأنواع التراث المادي واللامادي على خريطة التراب الوطني.
وقبل اختتام هذه الندوة العلمية، تم فتح باب المداخلات والاستفسارات بين المتدخلين، التي صبَّ أغلبها في دور التراث في الحفاظ على الهوية الوطنية المغربية؟ والدور الذي تلعبه الجامعة المغربية في الحفاظ على التراث؟ وكذا دور الاستعمار في تدمير جزء من التراث المعماري بمنطقة الشاوية بالقصف الذي تعرضت له المنطقة؟