كتاب وآراء

فكروا معي، كيف لا وجود لآل الجعيدي بالجزائر؟

بقلم : فؤاد الجعيدي 

من العائلات المتجذرة في التاريخ العربي، نجد عائلة آل الجعيدي والتي لها مرجعية قبلية عريقة، وهي من أكثر العائلات تشعبًا وانتشارًا وكثافة وحضورًا وتواجدًا على امتداد خارطة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.

وقد أفرد المهتمون بالأنساب العربية الكثير من المقالات والدراسات وعملوا على تجميع الوثائق التاريخية، التي انشغلت بتعداد فروع شجرة العائلة ، ولم نشكل هنا في المغرب الأقصى شذوذا عن هذا التوجه العام، حيث عمل الأستاذ توفيق الجعيدي من سلا على القيام بهذا العمل، وظف فيه تطبيق عائلتي (MY FAMILY) الشهير لتتبع فروع العائلة منذ جدهم الأول دفين تطوان علي بن مسعود الجعيدي.

وما عرف وفي كل البلدان العربية عن هذه العائلة، أنها واحدة من أعرق العائلات الباسلة حيث أبناؤها يتحلون بالصفات الأصيلة كالشجاعة والبسالة والإقدام وحسن الضيافة ، وحافظوا على تجمعاتهم السكانية في مناطق اختصت بهم ولا زمتهم القيم المذكورة.

وسأورد الشواهد الدالة من بعض الدو العربية، ففي فلسطين مثلا نجد أن مدينة قلقيلية ظلت عاصمة لآل الجعيدي وأنجبت شهداء في مسارات الصراع العربي الإسرائيلي، بها التأمت أفراحهم وأحزانهم بل البعض منهم تعود أصوله إلى المغرب في الرحلات العكسية من المغرب الأقصى إلى الشرق العربي وبالمملكة العربية السعودية استوطنوا منطقة القطيف قدوما من حضر موت، ومنهم من استوطن منطقة الخرج ويفوق تعدادهم الخمس مائة ألف نسمة بإحصائيات قديمة. ومنهم من استوطن مصر وليبيا وتونس.

في بلاد المغرب نجد المؤلف والمؤرخ محمد داوود في كتابه (تاريخ تطوان)، يفرد فيه بابا خاصا للشيخ علي بن مسعود الجعيدي وبناؤه لجامع العيون يقول فيه:

ومن أخبار الشيوخ ومتعلقاتهم بتطوان في هذا القرن الحادي عشر ، وفادة الشيخ علي بن مسعود على هذه المدينة وهو الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن مسعود الجعيدي دفين زاويته المشهورة بحومة العيون، جنب جامعها الكبير الذي هو من بناه رحمه الله… وكان الشيخ معدودا من كبار الشيوخ وكانت له زاويته الخاصة، وأصحاب ومريدون، وستعلم من ترجمته الآتية وخصوصا من تصريحاته في منظومته التائية، أنه كان من أصحاب المقامات العالية المعروفة في اصطلاح الصوفية.

تميز الشيخ علي بن مسعود الجعيدي في حياته، بالورع والتقوى ومحبة الناس والسعي في تعليمهم فضائل القيم والأخلاق ولما وافته المنية رحمته الله عليه في العام 1032 قال في رثائه الشيخ أبا حامد العربي الفاسي:

أما الدموع فإنهم غزار

لقد سبق للشيخ علي بن مسعود الجعيدي أن اشترى فدانين مبدأهما من الوطية ومنتهاهما باب النوادر، وحبسه على جامعه الكبير الذي بناه هناك في البقعة التي كانت مجزرة لأهل البلد، وقد وضعت اليونسكو الحومة في تعداد التراث العالمي.

وقد انتشر أحفاد الشيخ الجعيدي بالرباط وسلا وفاس وكان منهم المثقفون والفقهاء والقضاة والسفراء والمبدعون وساهموا على مراحل من تاريخنا الوطني في عمليات البناء من مواقع متعددة، ونفس الدور لعبه المنحدرون من هذه الأصول على صعيد الوطن العربي منهم انبثق شعراء كثر الشاعر مصطفى الجعيدي من فلسطين والدكتور محمد عبد الله الجعيدي أستاذ بجامعة مدريد الذي ألف عن فلسطين في الأدب والشاعر الكبير الراحل أبو الجعيدي الغامدي وادريس الجعيدي السلاوي الذي ألف كتابا اتحاف الأخيار بغرائب الأخبار للتوثيق لرحلته إلى الأمصار الأوروبية فيه قام بتدوين الرحلة السفارية إلى أروبا ولا يتسع المجال للإلمام بفوائدها وآثارها العلمية والمعرفية عن أروبا ونهضة العلوم فيها وتعدد الاختراعات..

كما كان منهم من اهتم بالمقامات كما حدث في مصر والقراءات وهنا بالمغرب الأقصى كان سيدي عمر الجعيدي ، الذي نشأ وترعرع بفاس، وتلقى أصول الآلة على يد معلميها وصار بارعا في آلة الرباب وعاصر من السلاطين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ ومولاي يوسف والمغفور له محمد الخامس، قضى وقتا طويلا بالقصر الملكي معلما لأصول الآلة. كما كان مهتما بجمع الصنائع بمختلف رواياتها، لا يدخر في ذلك جهدا ولا مالا، وكان معروفا بالصلاح مواظبا على الأذكار وكلام القوم، ، ولعل خبرته الواسعة، واطلاعه الكبير على أسرار طرب الآلة، هو الذي أهله ليترأس الجوق المغربي الذي شارك في المؤتمر الأول للموسيقى العربية بالقاهرة، والمكون من عبد السلام بنيوسف، وحبيبي امبيركو وبنغبريط والمطيري وعثمان التازي ودادي وشويكة. كان للجعيدي الفضل في ترتيب المشالية الكبيرة التي أصبح لها نظام معلوم.

من كل هذا الزخم لا نجد حضورا للعائلة في التاريخ بالجزائر، لا أدعي معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا المعطى التاريخي. وما تركني للخوض في هذه العجالة في هذا الموضوع، وهو أني ومنذ زمن أتلمس الآثار الإيجابية والطيبة لهذه الشجرة في كل الأوطان العربية إلا الجزائر.

ماذا يعني هذا الوضع اليوم في خارطة الوطن العربي؟

وكيف يمكن قراءة هذا الغياب، والأخبار التي نسمعها يوميا عن هذا القطر الجزائري الشقيق أن حكامه أصدروا منعا للمثقفين الجزائريين أن يقطعوا كل روابط التعاون الثقافي والعلمي مع المؤسسات الجامعية المغربية، وكيف أن حكام الجزائر باتوا يسوقون لكره أعمى وتسميم العلاقة بين الشعبين المغربي والجزائري..؟

ما هي العوامل والأسباب التاريخية التي حالت دون استقرار آل الجعيدي بالجزائر، أمر مقلق اليوم حين نربطه بمواقف الحكام الجزائر، وسعيهم لمزيد من عوامل التفرقة، بل العمل على تغذيتها وبقوة، ولا يرف لهم جفن في السعي لجعل منطقة المغرب العربي بؤرة للتوتر وتسلل الأفكار المتطرفة..

أعبر عن رغبتي أن يشاركني آل الجعيدي من كل الوطن العربي للتفكير في هذا الوضع والاشتغال عليه.. لماذا لم يستقروا بالجزائر التي كانت منطقة عبور للمغرب، وهم النسل الذي لم تعرف له سوى الأيادي البيضاء أينما حلوا وارتحلوا..؟

وقد عشت في بعض سفرياتي لقاءات مع بعضهم فظل الاستغراب يتملكني.. لماذا لا يوجد التطرف بيننا بين كل الأحفاد بالرغم من اختلاف العادات والثقافات؟

هل هي مسألة جينات الله أعلم بذلك، إنما الواقع يؤكد لي ما يترسب في شعوري من انطباعات على أننا نظل نسعى في خدمة الناس ونتقاسم معهم بفرح قوتنا وخاصيات البسط والتنكيت على الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى