سليم لواحي-المقال المغربي
تستعد مدينة خريبكة المغربية، خلال الفترة الممتدة من 18 إلى 21 دجنبر 2024، لاستقبال الدورة الخامسة عشرة من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بدعم من المركز السينمائي المغربي والمجمع الشريف للفوسفاط، وبالتعاون مع عمالة إقليم خريبكة والجماعة الحضرية والمديرية الإقليمية لقطاع الثقافة،الحدث الذي أصبح موعدًا ثقافيًا قارا في عالم السينما الوثائقية على مستوى المغرب والعالم العربي.
هذا الحدث السنوي، الذي يجمع بين مخرجين ومنتجين ونجوم السينما من مختلف القارات، يهدف إلى تكريس دور الفيلم الوثائقي في الحفاظ على الذاكرة الثقافية والإنسانية، ويشكل منصة لتبادل الأفكار والخبرات بين المهنيين.
فتح باب الترشح للمشاركة والتنافس على الجوائز
في خطوة مبكرة، أعلنت جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي في يونيو 2024 عن فتح باب الترشح للمشاركة في المسابقة الرسمية، التي تشمل فئتين رئيسيتين: مسابقة المحترفين ومسابقة الشباب. مع تحديد تاريخ 30 يونيو 2024 كآخر أجل لتقديم الأفلام.
وقد اشترطت الجهة المنظمة أن تكون الأفلام قد تم إنتاجها بين 2022 و2024، مع الالتزام بمعايير الجودة العالية في الصوت والصورة، بالإضافة إلى التميز في الفكرة والإخراج.
وسيكون للمشاركين فرصة التنافس على جوائز متميزة في مجالات عدة، تشمل أفضل فيلم وثائقي، وجوائز لأفضل إخراج وأفضل فكرة. كما سيتم الإعلان عن تفاصيل الجوائز وأعضاء لجان التحكيم خلال الأيام المقبلة. يُتوقع أن تشهد الدورة الخامسة عشرة مشاركة قوية من أفلام وثائقية تُعرض لأول مرة في المغرب، ما سيمنح المهرجان طابعًا دوليًا مميزًا.
برنامج حافل بالأنشطة الثقافية والفكرية
من المنتظر أن تكون الدورة الحالية حافلة بالعديد من الأنشطة السينمائية والفكرية التي تُثري تجربة الزوار والمشاركين. سيفتتح المهرجان في يومه الأول، 18 دجنبر، بحفل افتتاح رسمي يتضمن كلمات ترحيبية من المنظمين والمسؤولين المحليين، وعرض الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، فضلاً عن تنظيم لقاءات حوارية مع لجان التحكيم والمخرجين.
أما في الأيام الموالية، فسيتم تنظيم عدة ندوات فكرية وثقافية، من بينها جلسات مفتوحة مع أكاديميين ومبدعين، فضلاً عن عرض أفلام تسلط الضوء على مواضيع إنسانية ومجتمعية حساسة. ويتضمن برنامج المهرجان أيضًا توقيع عدة إصدارات فكرية ونقدية، وورشات تكوينية موجهة للمخرجين الشباب والمنتجين، تهدف إلى تعزيز مهاراتهم في مجال السينما الوثائقية.
ندوة فكرية: “صورة الصحراء في السينما الوثائقية: نماذج ودلالات”
تستضيف الدورة الخامسة عشرة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة ندوة فكرية تحمل عنوان “صورة الصحراء في السينما الوثائقية: نماذج ودلالات”. سيشارك في هذه الندوة نخبة من الباحثين والمخرجين من داخل المغرب وخارجه، في حدث ثقافي بدعم من المركز السينمائي المغربي والمجمع الشريف للفوسفاط، وبالتعاون مع عمالة إقليم خريبكة والجماعة الحضرية والمديرية الإقليمية لقطاع الثقافة.
الصحراء، تلك المساحات التي تجمع بين صمت الرمال وهمس الرياح، ليست مجرد فضاء جغرافي، بل هي نسيج ثقافي ومعمار إنساني، أبدعه الإنسان عبر تراكمات تاريخية واجتماعية. بعمقها الآسر وسحرها المتفرد، ألهمت الصحراء العديد من الفنون، من حكايات تُروى على أطراف النار، إلى لوحات تُحاكي غروبها الساحر، ووصلت إلى عدسات السينما التي رصدتها بلغة الصورة وسحر الإضاءة.
الندوة تهدف إلى الغوص في أعماق العلاقة بين الصحراء والسينما، وتحليل تموجاتها الفنية وأبعادها الإنسانية عبر عدسة الأفلام الوثائقية. ستناقش محاور متنوعة، مثل: “العمران الصحراوي ودلالاته الثقافية والتاريخية”، و”صحراء المغرب في السينما الوثائقية”، بالإضافة إلى نماذج من الخليج العربي وإفريقيا وأجزاء أخرى من العالم، لتكشف عن خصائص جمالية تنسجها الرمال، وأصوات ثقافية تنبض بها الصحراء.
المهرجان، بمزيجه من الفكر والجمال، يعكس رؤية ثقافية تحتفي بالصحراء كفضاء يتراقص بين الحقيقة والخيال، ويبرز السينما الوثائقية كوسيلة لإحياء ذاكرتها واستلهام أسرارها. هذه الدورة ليست مجرد تظاهرة فنية، بل هي لوحة نابضة بالحياة والخيال، تفتح أبوابها للرؤى العميقة والأفكار المبدعة، ليبقى المهرجان شاهدًا على عظمة الصحراء وسحرها الذي يأبى الأفول.
تكريمات للمبدعين والوجوه المؤثرة
في إطار سعيه المستمر للاعتراف بالجهود والإسهامات الفاعلة في مجال الثقافة والفن، خصص المهرجان هذا العام تكريمات رمزية لثلاث شخصيات بارزة أسهمت بشكل مميز في إثراء الساحة السينمائية والوثائقية:
1. الدكتور محمد خمسي، الباحث والإعلامي المتميز، أستاذ جامعي في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، الذي تُعد مساهماته الفكرية في مجال الإعلام والسينما محل تقدير كبير.
2. ديمة الجندي، المخرجة والمنتجة السورية، والتي تُعد من الأسماء اللامعة في مجال الإنتاج السينمائي العربي. ستتسلم تكريمًا في حفل الافتتاح، تقديرًا لعطائها في السينما الوثائقية.
3. لالة زبيدة خلوق، والدة المخرج حكيم بلعباس، التي ألهمت ابنها بالعديد من القصص الإنسانية التي تحولت إلى أفلام وثائقية تحاكي الذاكرة الجماعية لمدينة أبي الجعد.
توقيع إصدارات فكرية في المهرجان
على هامش العروض السينمائية، سيُحتفل أيضًا بتوقيع مجموعة من الإصدارات الأدبية والنقدية المميزة، التي تُغني الحوارات الثقافية وتضيف بعدًا فكريًا إلى المهرجان.
من بين الإصدارات المنتظرة، يُعرض كتاب “السينما الإفريقية” للمؤلف بوشتى فرقزيد، وكتاب “الأسفار المبدعة” للإعلامي إسماعيل هواري، وكتاب “ناس الغيوان وجوه تشبه المغرب” لمؤلفه الدكتور حسن حبيبي، بالإضافة إلى كتب نقدية وفكرية أخرى تسلط الضوء على جماليات السينما وحيويتها في المنطقة العربية والإفريقية.
مهرجان خريبكة.. ملتقى بين الفن والإبداع
يُعد المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة منصة استثنائية تجمع بين الإبداع السينمائي والبحث الفكري، ما يجعله حدثًا ثقافيًا ذا أهمية بالغة. إنه يشكل فرصة لتسليط الضوء على قضايا إنسانية عميقة، ويؤكد على أهمية الفيلم الوثائقي كأداة لتوثيق وتحليل الواقع الاجتماعي والثقافي.
من خلال برنامجه الغني بالأنشطة والعروض السينمائية الرفيعة، والتكريمات ، يُتوقع أن يترك المهرجان بصمةً في ذاكرة عشاق السينما والجمهور العام على حد سواء، ويُعزز مكانة خريبكة كعاصمة للثقافة السينمائية في المغرب.