الواجهة

تحديات تحليل الشبكات الاجتماعية في المجتمع المعاصر

عائشة بوزرار
حدد الأستاذ عبد الإله براكسا، عميد كلية الآداب عين الشق بالدار البيضاء، أثناء افتتاحه لمحاضرة إيمانويل لازيغا، بأن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع لازال في مراحله الأولى ؛ مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام، وهو من الظواهر الحديثة التي برزت وانتشرت على نطاق عالمي واسع خلال العقد الأخير. وبالرغم من استخدامها المكثف إلا أن مدة اعتماد البشرية عليها كوسيلة للتواصل والتفاعل الاجتماعي لا تزال قصيرة نسبياً. كما أن معظم الدراسات حول تداعياتها الاجتماعية غطت السنوات العشر الأخيرة فقط. كل هذا يجعل تأثير هذه المنصات على السلوك والعلاقات الاجتماعية لا يزال قيد المراقبة والتقييم، نظراً لحداثة هذه الظاهرة على المدى الطويل.
فيما تحدثت الأستاذة فاضمة ايت موس بأن معظم الدراسات البحثية حول تأثير استخدامها بقيت مقتصرة على السنوات القليلة الماضية، وبالتالي، فإن آثار هذه المنصات على العلاقات والسلوكيات الاجتماعية بحاجة إلى مزيد من الملاحظة والتقييم على المدى البعيد.
وفي محاضرته (باللغة الفرنسية)، (تحديات تحليل الشبكات الاجتماعية في المجتمع المعاصر) التي عقدتها جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وضمن برنامج مختبر L’adsis بكلية الآداب عين الشق، استهل إيمانويل لازيغا Emmanuel Lazega بطرح المحاور الرئيسية التي فسرها وقدم فيها تحليلا خاصا في كيفية تطوير علم الاجتماع الهيكلي الجديد ، من خلال التعاون متعدد التخصصات مع علماء الشبكات والإحصاء وخلق نماذج لتحليل البيانات المعقدة بشكل موثوق وقوي، على سبيل المثال في مجال ديناميكية الشبكات متعددة المستويات، ومساهمته أيضا في تحليل المنظمات وتحليل الشبكات الاجتماعية لشرح آلية العمل الجماعي. تركز هذه المقاربة على مراقبة ونمذجة ومقارنة العمليات الاجتماعية الجوهرية في الحياة الاجتماعية على المستوى التضامن والتنشئة الاجتماعية والتعلم الجماعي، الرقابة وإدارة الصراعات الاجتماعية .
عرض المحاضرة أيضا لمفاهيم علم الشبكات التي تساعد في فهم وتوجيه استجابة الأوبئة وذلك بتحديد العقد ذات المركزية العالية في تحديد الأشخاص أو المجموعات ذات التأثير الكبير في انتشار العدوى بسبب اتصالاتهم الواسعة، مما يجعلهم هدفًا أولويًا للوقاية والتدخل المبكر، كذلك يساعد تحديد الوسطاء بين المجموعات غير المتصلة في فهم كيفية تسريع انتشار المرض عبر حدود المجتمعات، بالإضافة إلى ذلك، تساعد نمذجة الشبكة والمحاكاة في تقييم أثر سياسات الحد من العدوى واختيار أفضل الخيارات للسيطرة على الوباء.
كما قام البروفيسور ايمانويل لازيغا بطرح بعض القضايا الرئيسية المتعلقة باستغلال بعض المنصات التي تعتمد على البيانات الشخصية وبيانات الشبكات ،كفقدان سيطرة المستخدمين على معلوماتهم الخاصة. قد يضعف جمع البيانات الشخصية على نطاق واسع دون موافقة واضحة الخصوصية واستقلالية المستخدمين وعدم الشفافية في كيفية استخدام البيانات ومشاركتها، مما يعوق عدم وضوح نطاق جمع البيانات وطبيعة القرارات الخوارزمية والإشراف والمساءلة. وقد تمكن كميات هائلة من بيانات الشبكة والسلوك من التأثير على المستخدمين بشكل غير واعٍ أو دون اختيارهم الواعي التي تؤدي إلى تفاقم الأضرار الاجتماعية. قد يزيد جمع كميات هائلة من البيانات الشخصية وبيانات الشبكة مع أهداف مثل زيادة انخراط المستخدمين من مشاكل مثل انتشار المعلومات المضللة والتشرذم، وترسيخ عدم التوازن في القوى.
تملك منصات كبرى سيطرة وتأثيرًا مفرطًا على المجالات الرقمية والخطاب بفضل مزايا البيانات وآثار الشبكة لديها، بالرغم من فوائد الخدمات والتقنيات القائمة على البيانات، يجب ضمان وجود حدود وشفافية وإشراف كافٍ لمنع المخاطر التي تمت الإشارة إليها، كما ينبغي على المستخدمين إعطاء موافقة مسبقة مدركة وواعية بنقل البيانات الشخصية إلى منصات بهذا الحجم.
وأعطى المحاضر مثالا عن كيفية تطبيق مفاهيم الشبكات في قطاع الرعاية الصحية مع استخدام أجهزة استشعار الجسم وبيانات الشبكات الشخصية:
أولا: أجهزة استشعار الجسم بأجهزة قابلة للارتداء تقوم بمراقبة مستمرة للبيانات الحيوية ومستويات النشاط وأنماط النوم وما إلى ذلك، وترسل البيانات عبر فترات زمنية.
ثانيا:ملفات الشبكة الشخصية ورسم خرائط للاتصالات بين الأشخاص والاتصالات المعتادة – أفراد الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل. كذلك الاتصالات بمقدمي الخدمة الصحية والصيدليات ودور اللياقة البدنية/الصحة.
ثالثًا: تحليل المركزية وتحديد الأشخاص ذوي التأثير البارز في شبكاتهم الاجتماعية والدعم. يمكن التواصل مع هؤلاء العقد المركزية لبرامج تعزيز الصحة.
رابعا: التكافؤ الهيكلي عن طريق تجميع الأشخاص حسب تشابه وضعيتهم واتصالاتهم في الشبكة لتحديد المجموعات ذات الخطورة والتدخل.
خامسا: قياس التكامل وذلك بتقييم ارتباط الدوائر الاجتماعية، حيث تنتشر السلوكيات الصحية أسرع.
ومن أجل فهم اكثر، أوضح المحاضر كيفية دراسة الشبكات لفحص الصمود الاجتماعي من منظور أساسي متعدد المستويات:
أولا: رسم خرائط شبكات الأفراد الاجتماعية لتحديد مصادر الدعم أثناء التحديات/الأزمات، ويساعد ذلك في معرفة من هم العقد الرئيسية/الهامشية وكيفية ارتباط المجتمعات.
ثانيا: تحليل شبكات الجماعات والمؤسسات المجتمعية العاملة على مبادرات مشتركة، وتوضيح كيفية بروز التنسيق والتعاون بين قطاعات مثل الصحة والتعليم والمنظمات غير الحكومية.
ثالثا: استخدام تحليل الشبكات المكانية لدراسة ارتباطات الأحياء/القرى، ويوفر نظرة حول كيفية تدفق الموارد والمعلومات عبر الحدود الجغرافية.
رابعا: فحص عضويات الأفراد في شبكات متداخلة، وفهم المشاركة في مجتمعات متعددة يكشف عن طرق انتشار الأفكار والموارد على نطاق أوسع.
خامسا: دراسات طولية للشبكات تتبع التغيرات مع الوقت، وتلقي الضوء على كيفية تطور الشبكات والأدوار داخلها مع الاحتياجات الناشئة.
سادسا: أساليب شبكات متعددة المستويات تجمع بين مستويات الأفراد والجماعات والجغرافيا، وتحدد العمليات الشبكية عبر المستويات البنائية للقدرة على التكيف في الأنظمة الاجتماعية.
اعتبر هذه المنظورات الأساسية للشبكات تتبع بروز الصمود الاجتماعي من القاعدة وتكشف عن كيفية تطور القدرات التعاونية بشكل ذاتي عبر الطبقات الاجتماعية المترابطة؛ ويوجه الفهم التدخلات النظامية لتقوية تنظيم المجتمعات وتماسكها ذاتيا.
واختتم البروفيسور محاضرته بالقول أن علوم الشبكات توفر فهما نافعا، إلا أنه يجب أخذ الحيطة بشأن من يمارس سلطة التحليل ولأي مصالح، وهناك حجج لكل من التنظيم المشترك والمشاركة من القاعدة، ويصعب الاكتفاء بالتنظيم الأعلى فقط، حيث يمكن للكيانات القوية استخدام فهم الشبكة لترسيخ مزاياها دون إشراف، وأنه قد تعزل بيانات وفهم الشبكات عند اللجوء للمنظور الأساسي فقط دون تنسيق أو تدخل على مستوى المجتمع، أما النهج الأمثل فهو التوازن من خلال التعاون بين أصحاب المصلحة، وتساهم هيئات الإشراف المستقلة في وضع مبادئ لاستخدام البيانات بشكل أخلاقي ،والشفافية في جمع البيانات وتطبيقاتها مما يعزز الإشراف دون المساس بالخصوصية.
ويعتبر إيمانويل لازيغا الأستاذ الجامعي بمعهد الدراسات السياسية بباريس، والمتخصص في علم الاجتماع المنظمات، وعلم الاجتماع الاقتصادي ،علم اجتماع الشبكات ، واحدا من أهم الباحثين في هذا المجال من خلال محاضراته وأيضا مؤلفاته الخاصة أو الجماعية، ومن بينها: ، الظاهرة الجماعية: الآليات الاجتماعية للتعاون بين الأقران في شركة قانونية(2001)، السياسة الصغرى للمعرفة. الاتصال والسيطرة غير المباشرة في مجموعات العمل(1992)، التحليل الشبكي متعدد المستويات للعلوم الاجتماعية: النظرية والأساليب والتطبيقات(مشترك 2016)- الاتفاقيات والهياكل في التنظيم الاقتصادي: الأسواق والشبكات والهرميات(مشترك).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى