خالد عبداللطيف – المقال المغربي
دخل الشرقي نصراوي، أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بخرببكة، التاريخ من أوسع أبوابه، وهذا ليس بأمر جديد على أستاذ جامعي محنك جمع بين الفصاحة وعمق التحليل والبلاغة وجودة الإلقاء، وبين سحر اللغة وجمال التأويل..وسياق هذا الكلام يندرج ضمن الحضور القوي لهذا المحلل اللساني الذي يمتلك أدوات الخطاب، ويتحكم بكل وعي في آليات الحقل السيميائي ومفاهيمه أثناء استضافته بقناة السادسة.
وقد ظل الدكتور الشرقي النصراوي طيلة الحلقة التي بثتها قناة السادسة حول الثرات في وجدان الشباب يحاور ويحلل بشكل مسهب ومسترسل، حول التراث المادي واللامادي بلغة راقية، وتحليل مسترسل،ونظرة سيميائية،وبعد ثقافي ،وتفكيك لكل ماله علاقة بالتراث .ولعل المتابع لهذه الحلقة سيلاحظ سلاسة افكار ضيف الحلقة دون تصنع أو كلفة، ولغة انسيابية وثوقية خالصة مستمدة من مرجعيات متعددة نهل منها الدكتور النصراوي، وتشبع بمدارسها واتجاهاتها المختلفة، ليتأكد عبر النقاش والتحليل والتتبع أن الدكتور الشرقي نصراوي لايحلل ويفكك لمفهوم التراث، واستحضار مفاهيمه فقط، بل أنه يمارس النقد التركيبي والتوليفي لتيمات حلقة البرنامج، واستحضاره بوعي مكتمل ماينبغي قوله بجرأة الباحث، وعمق تفكيره، واتساع رؤيته في تدبير ميكانيزمات الثرات بأنساقه ودلالاته، ومؤشرات تحولاته من التابث إلى المتحول.
لقد فطن الدكتور الشرقي نصراوي الى أن التراث مادة مفخخة، لايمكن التعامل معها من خلال إصدار أحكام قيمة بسيطة أو قبلية، بل تستوجب وجهات نظر ذات بعد أكاديمي محظ، وثقافة موسوعية تقتضي التسلح بكل مقومات المعرفة اللسانية والسيميائية، وباقي أشكال الخطاب.
وللإشارة فقد شارك في هذه الحلقة إلى جانبه، طلبة سلك الدكتوراه: فؤاد دحى وابراهيم البحراوي؛ والطالبة سارة صبور.
في هذه الحلقة وعبر هذا البرنامج، يحلق بنا الدكتور الشرقي نصراوي إلى عوالم ثقافية وتراثية مختلفة بدءا من الأسئلة الراهنة حول التراث مرورا بإشكالات معرفية ومنهحية محضة تقدم لتيمات ومواضيع الحلقة في حلة سميائية بامتدادات علاماتها وأيقوناتها، ودلالاتها السيكولوجية والانتروبولوجية.
ولم تكن أجوبة الضيف تنحصر في تحديد ماهية التراث المادي واللامادي، بل تجاوزته إلى خلخلة توابث المعرفة التراثية، والتأكيد على اهم الانشغالات المشتركة لكل المتدخلين في التراث كل من جانب تخصصه.
وهنا تستحضرني قولة للسيميائي الراحل الدكتور محمد مفتاح يقول فيها: “إن قراءة التراث بالتراث من أنجع مايؤدي الى الفهم التاريخي الحق”
ولم يكن الدكتور الشرقي نصراوي في مداخلته ينزع نحو المجرد، أو يحتفي بالغامض كما يفعل بعض الباحثين، بل يسعى دائما إلى مزج المعرفة بالتاريخ والتراث، وهو مزج راق مصحوب بوسائل آلية طبعها التحويل والتوظيف لأنساق الرموز المختلفة، وتجسيد المقاربات السيميائية في بنى أقرب ما تكون إلى بنى المعمار.