
نورالدين ثلاج -المقال المغربي
قال الدكتور والباحث السعودي، سمير الضامر، في افتتاح محاضرة بعنوان” الثقافة الشعبية والأدب: تداخلات الخطاب وتمثلات الهوية”، ألقاها يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمدينة خريبكة بالمغرب، الثلاثاء 15 أبريل 2025،” المعرفة قوة، المعرفة شرف، المعرفة تركيز، وأنه كلما ركّز الإنسان على المعرفة، كلما امتلك رؤية صافية لنفسه، وحياته، ولمن حوله”.
وأضاف “نحن اليوم في حضرة الثقافة الشعبية، نحاول تحليل خطاباتها، وتفكيك بنياتها، والإصغاء إلى أصواتها المضمرة، على اعتبار أن الثقافة الشعبية ليست نصًا هامشيًا، بل هي نص مركزي، يُعبّر عن التكوين العميق للوعي الجمعي. إنها نصّ يتناسل، يتطوّر، ويُعيد تشكيل نفسه عبر العصور”.
وساق سمير الضامر مثالاً بالحديث عن القصص الشعبية الإسلامية التي استلهمت من القرآن الكريم، مشيرا إلى تفاعل الراوي الشعبي مع النص المقدس، من خلال خلق مقابل دراميّ يدمجه بعناصر عجائبية وسرديات متخيلة، فيكوّن حكاية تتخطى الزمن والمكان”.
وبسط المتحدث ذاته الفرق بين الثقافة الشفاهية والثقافة المكتوبة، باعتبار الأولى آنية لحظية، تولد من الحدث والموقف، بينما الثانية تكون مؤطرة بزمن الكتابة ومكانها”
وزاد” الراوي الشعبي يصوغ الحكاية لحظة وقوعها، بصوت جماعي، بنغمة بيئية، وبشعر يُرتجل ارتجالًا”.
وقدم مثالا من شرق المملكة العربية السعودية، في الأحساء، حين يزرع الفلاحون نخلة، يرددون الأشعار في لحظة الغرس، بشكل جماعي، في تفاعل آني بين النص والفعل.
وتساءل الدكتور سمير الضامر، في محاضرته، هل الأدب نص؟ أم خطاب؟ هل الثقافة الشعبية سرد أم خطاب له بنية ودلالة؟، ليجيب بأن النص الأدبي – حين نحاكمه بشعريته، بأساليبه، باستعاراته، بجمالياته – يصبح خطابًا مركّبًا، حاملاً لطبقات متعددة من المعنى، وأن الثقافة الشعبية تفعل الأمر ذاته، مستشهدا بالحكاية الشعبية، حين تروي امرأة نذرت أن تزوج ابنتها لحمار إن رزقت بنتًا، ثم ترزق، وتقع في حيرة النذر، فتذهب إلى الشيخ لتسأله، إذ بالرغم من بساطة هذه الحكاية، فإنها تحمل رموزًا وأسئلة كبرى تهم من يُحرّك النص؟ من يُوجّه القرار؟ لماذا المرأة مغيّبة الإرادة؟ لماذا تلتجئ إلى “الشيخ”؟
وتابع” هذه الأسئلة تُحيلنا إلى ما وراء النص، إلى الخطاب، إلى الصوت الخفي، إلى “الكاميرا الثالثة”- كما في بعض تقنيات السينما الحديثة- التي لا تُظهر الحدث الرئيسي، بل تلتقط ما هو خلفه”.
وحول التقاطعات بين الأدب والثقافة الشعبية، أكد المحاضر أن الرواية، القصة، المسرح، السينما… كلها اليوم تستلهم من الثقافة الشعبية، لكنها لا تنقلها كما هي، بل تُعيد إنتاجها، وتفككها، وتضيف إليها رموزًا جديدة.
واسترسل في محاضرته بأن هناك من يستعمل القوالب القديمة – كالمقامة، أو القصيدة العمودية، أو النذر الشعبي – ويحمّلها رؤى جديدة، فيعيد إنتاجها بشكل أدبي معاصر، مشيرا إلى الدور الثقافي الجوهري للكاتب، الشاعر، السيناريست الذي يُعيد بناء الذاكرة، ويصوغ من التراث نصوصًا جديدة، تُجاري الراهن، وتحاور الأسطورة، وتُمثّل المهمش، وتعيد تشكيل الهويات.
وبخصوص الفروق القائمة بين الأسطورة، الطقس، الحكاية، قال إن الأسطورة أصل، والطقس فعل جماعي تأسّس على تلك الأسطورة، مدعما قوله بمثال من الشعر الجاهلي، حيث نجد ميثولوجيا كاملة، تحكي عن الأوثان والمقدسات، وهي ما زالت تؤسس اليوم لقصائد تُكتب بعد 1500 سنة.
وختم سمير الضامر محاضرات بالحديث عن تمثّلات الهوية، من خلال إعادة تشكيل الهويات انطلاقا من الثقافة الشعبية، في عالم اليوم، تتصارع فيه الهويات، وتتقاطع، إذ أصبحنا في حاجة إلى نصوص تنقل همّ العمال، والنساء، والمهمشين، والطبقات المنسية، وتعيد لهم مكانهم في السرد، حيث تحركك الثقافة الشعبية وتضعك في بداية الطريق، إذ كلما تحدّيت النص، كنت أقرب إلى إنتاج خطابك الخاص، ورؤيتك الخاصة، وثقافتك الخاصة.