أضحى الكثير من المغاربة يفضلون الخارج كوجهة لقضاء عطلتهم الصيفية، وذلك في ظل توجه يحمل في طياته إجابات على متطلبات وحاجيات متنوعة . وهذا المنحى يؤشر لوجود تحول في المجتمع، وما يتبعه من تأثير اقتصادي واضح، وهو ما يطرح عدة نقاط للنقاش والتفكير.
ومع بروز طبقة متوسطة لاتتردد في البحث عن آفاق جديدة، يتزايد كل سنة عدد الراغبين في قضاء العطلة الصيفية خارج البلاد، في وقت تتم فيه مكافئة من سبق لهم السفر على وفائهم ، بمنحهم تأشيرة طويلة الأمد ، وهي مسألة تتعلق بالاستقطاب مرة أخرى.
وكدليل على هذا ، فإن عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة سنة 2018 من طرف المصالح القنصلية الفرنسية وحدها، بلغ حوالي 400 ألف تأشيرة لولوج منطقة شينغن.
هذا الرقم جعل المملكة تحتل المرتبة الثانية من بين الدول التي حصل مواطنوها على تأشيرة فرنسا بعد الصين. وهذا ما أكده وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان-إيف لو دريان، خلال زيارة قام بها مؤخرا للمغرب، حيث أشار إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن منحت فرنسا عددا كبيرا من التأشيرات للمغاربة مقارنة بالسنة الماضية.
وينضاف إلى هذا التأشيرات التي منحتها قنصليات بلدان أوروبية وبلدان أخرى، أو حتى ملفات طلب التأشيرة التي تم رفضها والتي تعد بالآلاف. و بدون الحاجة لأن تكون متخصصا، فالتكاليف التي لا يتم ارجاعها للذين تم رفض ملفاتهم، تنضاف إليها النفقات الخاصة بالسفر ، تعطي الفكرة عن حجم الأموال التي تحول كل سنة للخارج والتي تقدر بملايير الدراهم .
وقد كلفت هذه السفريات ما يقارب 19 مليار درهم (حوالي 1.76 مليار أورو) برسم سنة 2018، بزيادة بنسبة 9 في المائة مقارنة بسنة 2017، التي سجلت أصلا ارتفاعا بنسبة 21 في المائة حسب احصائيات مكتب الصرف.
ففي سنة 2018 ارتفعت نفقات سفريات المغاربة إلى الخارج ب 1,55 مليار درهم لتصل إلى 18,9 مليار درهم ،وهو ما مثل ارتفاعا كبيرا مقارنة بمداخيل السياحة بالعملة الصعبة التي يحصل عليها المغرب (+1 مليار درهم) حسب نفس المصدر.
وبكل تأكيد فالنفقات سترتفع مع زيادة المنحة السياحية التي تم إقرارها في سنة 2019 والتي تصل إلى 100 ألف درهم لكل شخص سنويا.
وتشكل 19 مليار من النفقات مبلغا مهما من العملة الصعبة التي توجه خارج المغرب، والتي تتنامى باستمرار مما قد يزيد من حدة العجز في الميزان التجاري للمغرب.
هذا التوجه الجديد الذي يتزايد لدى الشباب، والأزواج والأسر، لديه انعكاس اقتصادي سلبي ، غير أن المغاربة تبنوه ك”نمط عيش” وهو اختيار لارجعة فيه وتحفزه العروض الملفتة للانتباه.
وفي هذا الصدد قال أمين اليازيدي، مقاول شاب “منذ أربع سنوات وأنا أقضي عطلتي مع عائلتي خارج المغرب، صديق لي سبق له أن حدثني عن مغامراته، واقتنعت بما قاله لي .في البداية كانت هناك بعض العوائق التي تتعلق بإجراءات الحصول على التأشيرة، والشكليات، غير أنه بمجرد الوصول إلى الوجهة، أحسسنا أنها تستحق فعلا !” .
وأوضح “حتى الأطفال معجبون بهذا ، وهم من يقوم بكل الإجراءات بما فيها الحصول على موعد من أجل وضع ملف التأشيرة وحجز تذكرة الرحلة على الباخرة ومقترحات السكن خاصة مع وفرة العروض” .
ومثل آلاف المصطافين المغاربة، قررت أسرة اليازيدي السفر لاسبانيا للمرة الثانية على التوالي، لكن هذه المرة في اتجاه شمال شبه الجزيرة الإيبيرية ،ودائما بالسيارة.
ويؤكد العديد من الأشخاص من محبي السفر إلى الخارج على أن المعادلة بين الجودة والسعر تعتبر حاسمة في اختياراتهم، مجددين التأكيد على أنه في ما يخص التنمية، فإن الواجهة المتوسطية للمملكة، على سبيل المثال، لا تقل شأنا عن الضفة الشمالية.
ومع ذلك، فإن السفر إلى الخارج لقضاء العطلة، وإن كان يمثل تراجعا للمكاسب التي يحققها المغرب على المستوى الاقتصادي، فإنه يساهم بلا شك في تكوين شخصية المواطن المغربي، ويشجع على بروز جيل أكثر تقبلا وانفتاحا على الحضارات والثقافات واللغات الأخرى، في هذا العصر الذي جعلت فيه التكنولوجيات الجديدة العالم قرية صغيرة.
ولا شك أن عرضا سياحيا قويا، قادرا على إقناع هذه الفئة، التي تمثل العمود الفقري للمجتمع، سيساهم في كبح هذه “الموجة” وفي وضع أسس سياحة داخلية قوية، ترقى إلى مستوى هذا القطاع ، الذي يعد ركيزة للاقتصاد الوطني وأحد أقوى محركات النمو والتنمية.
ويحذر الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، زوراب بولوليكاسفيلي، من أن “الرقمنة والأنماط الجديدة للنشاط الاقتصادي، والأسعار المعقولة للأسفار، إلى جانب التغيرات المجتمعية، ستواصل تغيير ملامح القطاع. وعلى غرار الشركات، يجب على الوجهات السياحية أن تتكيف مع هذه التغيرات لكي تظل قادرة على المنافسة”.