هشام أودادس- المقال المغربي
في الآونة الأخيرة ومع بزوغ شمس الألفية الثالثة كثر الرقاة الشرعيون والروحانيون بالمغرب، وتناسلت بشكل ملحوظ عيادات الرقية الشرعية والروحانية؛ مما يدل على أن المغاربة أو بالأحرى المغربيات لهن إقبال واسع على هذا النوع من العلاج لما يتعرضون له من أمراض تستعصي على الطب، لأنها تمس الروح وتظهر أعراضها على البدن من قبيل تلبس الجني بالإنسي، العين، الحسد، السحر؛ أو من أجل طرد النحس وجلب الرزق واجتذاب الحبيب بطرق يقال أنها شرعية، ولا تمس بالعقيدة وبعيدة كل البعد عن الشعوذة والسحر الأسود.
في هذا المقال لن نتناول موضوع مهنة الرقاة الشرعيين والروحانيين من وجهة نظر دينية بحثة عبر البحث عن مدى حل أو حرمة أو استحباب أو كراهة أو جواز ذلك؛ بقدر ما سنتساءل عن دور الدولة المغربية في تأطير هذه المهنة التي باتت واسعة الانتشار، فلا تكاد تخلو التجمعات السكنية ولو كانت بسيطة من وجود مثل تلك العيادات، حيث ترتفع نسبتها مع ارتفاع عدد السكان؛ علما أن الرقية الشرعية صارت متواجدة بشكل متأصل حتى في الدواوير والمداشر بالقرى المغربية.
إن ترك أبواب مهنة الرقية الشرعية والروحانية مشرعا أمام الجميع فسح المجال للعديد من النصابين والأفاكين لممارسة هاته المهنة التي تدر على أصحابها أموالا طائلة وأرباحا خيالية، وبالمقابل توالت الفضائح الأخلاقية المصورة بالصوت و الصورة وكثر النصب و الاحتيال وعم أكل أموال الناس بالباطل؛ وبالتالي صار لزاما على الدولة المغربية التدخل لحماية المواطنين وخصوصا المواطنات ولتأطير هاته المهنة ووضعها تحت أنظار المؤسسات الحكومية، و لأننا نعيش في دولة المؤسسات التي من المفروض فيها أن تدبر الوضع البشري بصفة عامة داخل حدود الدولة.
كما تجدر الإشارة أن الرقاة يزالون هذا العمل داخل عيادات معروفة أو في منازلهم العائلية وينشرون أنشطتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويمتلكون قنوات رائجةعلى اليوتيوب؛ كما أن العديد من المسؤولين يعتبرون من بين الزبائن المفضلين لدى الرقاة؛ وبالتالي فإن هاته المهنة لا يتم ممارستها بشكل سري كما هو الحال بالنسبة للسحر الأسود إنما يعمل أصحابها على الظهور بشكل علني ويشغلون حيزا مهما من صفحات التواصل الاجتماعي واليوتيوب وكذلك عبر المنابر الإعلامية سواء الإلكترونية أو الورقية أو السمعية البصرية حيث يقوكون بالدعاية والإشهار لترويج خدماتهم على غرار شركات الاتصالات.
وعليه فإن الدولة المغربية مدعوة إلى:
-أولا: إنجاز دراسات موضوعية تتناول من وجهة نظر نفسية واجتماعية وحتى دينية الأسباب الحقيقية التي تدفع عددا كبيرا من المغاربة والمغربيات على الأخص لزيارة عيادات الرقاة الشرعيين والروحانيين.
– ثانيا: توفير التأطير الديني والنفسي والاجتماعي اللازم للمغاربة بمؤسسات التنشئة الاجتماعية (المدارس، المساجد، دور الشباب، المراكز الثقافية….) حتى يكونوا قادرين على مواجهة كل المصاعب دون الحاجة لمساعدة من أحد، فالأجدر بالمسلم أن يرقي نفسه بنفسه دون حاجة للرقاة.
– ثالثا: المجلس العلمي الأعلى مدعو لإصدار فتاوي شرعية ورسمية تبين موقفه من امتهان الرقية الشرعية والرقية الروحانية، والشروط الشرعية التي ينبغي أن تتوفر في الراقي.
– رابعا: تقنين مهنة الرقية عبر سن القوانين وفرض تراخيص وتحديد الشروط الضرورية لمزاولة هاته المهنة لسد الطريق على النصابين والمحتالين والدجالين الذين يستغلون سذاجة بعض المواطنين والمواطنات بالأخص لأكل أموال الناس بالباطل، وأيضا لتفجير مكبوتاتهم الدنيئة على أنها ضرورية لعلاج طالبي الرقية.
– خامسا: فرض التخصص العلمي من أجل منح تراخيص لفتح عيادات الرقية عبر توفير تخصصات جامعية تمزج بين علوم الدين في ارتباطها بالرقية وعلم النفس و السوسيولوجيا وعلوم التربية.
– سادسا: فرض تعريفات مرجعية على أرباب عيادات الرقية تحدد ثمن الخدمة التي يقدمونها للمواطنين و المواطنات وأسعار قنينات الماء التي يبيعونها وكذلك الوصفات الشبه طبية المقدمة؛ علما أننا نسمع عن مبالغ فلكية مقابل حصة واحدة حيث قد تصل إلى 10000 درهم بدعوى أن طالب الرقية مثلا قد تلبس به جني قوي المراس ومتين العرى، كما قد يصل سعر قنينة الماء وهو ماء معدني بياع في الدكان ب 5 دراهم إلى أزيد من 200 درهم (بزيادة ٪4000) بدعوى أنه ماء قرآن مبارك يشفي عبر شربه أو الاستحمام به ويتم إعداده عبر قراءة بعض آيات القرآن قرب القنينة أو لنقل القنينات (ليقل العناء فلا يعقل أن يقرأ الراقي القرآن على قنينة واحدة ثم يعيد الكرة على قنينة أخرى).
– سابعا: عيادات الرقية ينبغي أن تكون خاضعة للضريبة على الدخل أسوة بباقي القطاعات المدرة للدخل فمن غير المعقول أي يؤدي الأجير المسكين من أجرته الزهيدة الضريبة في حين يستثنى الرقاة من ذلك رغم أنه بعضهم يكسب في حصة رقية واحدة أضعاف الدخل الشهري للأجير.
ختاما نؤكد أنه من الواجب على الدولة المغربية التدخل العاجل لتقنين و تأطير مهنة الرقية، لتجنب مزيد من الفضائح والنصب والاحتيال، و الاغتناء غير الشروع وبيع الوهم للمغاربة والمغربيات، ونشر الخزعبلات، وتكبيل المجتمع وإضعاف حسه النقدي وتفكيره المنطقي؛ وبالتالي تكريس بنية مجتمعية فاشلة تبحث عن شماعات لتبرير الفشل، بل وجعله خارجا عن الإرادة وغير متحكم في أسبابه لأنها بيد الجن وملوكه وعتاة السحرة وطلاسمهم وقلوب الحاسدين وأعينهم المميتة.