غاب النقد والتنكيت والسخرية السياسية عن الخطاب الإعلامي ضد الأداء الحكومي كما كان الأمر مع الحكومات السابقة.ولم نعد نطالع المقالات الطويلة في هجاء الحكومة وتقريع آذانها وكشف ضعف أداء بعض أعضائها وقطاعاتها، كما أن البرامج التلفزية والإذاعيةالحوارية المواكبة لعمل الحكومة وتفاعلها مع مختلف القضايا دخلت في إجازة مفتوحة أو سبات عميق.فهل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على أحسن ما يرام، وفي أفضل حال ؟. لسان الواقع يأبى تصديق ذلك، فالأسعار ترتفع يوميا منذ شهور وبشكل فاق كل التوقعات، بل أصبحنا نعيش فوضى الأسعار في سوق متحررة أو لنقل متمردة على القوانين والضوابط.
يبدو جليا أن السلطة الرابعة ممثلة بوسائل الإعلام التقليدي توارت إلى الخلف وغيرت النظارات التي ترى بها الواقع ولسان حالها يقول “العام زين”. وإن سألوك عن العالم الافتراضي بزخمه وقوته التعبوية وسلطته التواصلية، فلتكن إجابتك واضحة وصريحة : لم تشذ شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وغيرها من المنابر الرقمية، عن هذه الموجة الهادئة والوديعة في مواكبتها للأداء الحكومي. وربما قد يغشاك النوم وأنت تحاول العثور على لايف (بث مباشر) أو ندوة تفاعلية، ينشطها أكاديميون وفاعلون سياسيون ومدنيون تخص الشأن الحكومي لاسيما في ظل أزمة الغلاء.
لقد أصبح إعلامنا إعلام الصوت الواحد- إلا استثناءات معدودة لا زالت تحافظ على المسافة النقدية المطلوبة- والخطاب الواحد بتلاوين وتنويعات لا تمس جوهر القضية.
ولنتذكر جيدا أن مسار التقدم رهين بتنظيم وأنسنة السلطة وجعلها مجالا للنقد والمحاولة والخطأ والتصويب المستمر، ويلعب الإعلام في ذلك دورا محوريا، ولنا في التجارب الإنسانية خير مرشد ومثال. أما أن يتراجع الإعلام إلى الخلف تاركا وراءه قضايا المجتمع وهمومه، وينخرط في لعبة البوز وثقافة تسطيح الفكر وتزييف الوعي، فهذا هو الخطأ بعينه الذي يقبر رسالة الإعلام ويفرغها من أي دور تنويري. والإعلام إن أراد أن يكون سلطة،فعليه بالمهنية والاستقلالية وإلا سيكون مساهما مباشرا في إنتاج التخلف وتكريس أفكاره وزرع قيمه، ذلك أن بنية التخلف تعمل على تعليب الجميع ضمن قالب واحد وصندوق واحد، وعلى الجميع التفكير من داخل الصندوق. بينما مسيرة التقدم والمساهمة في الحضارة الإنسانية تؤمن بالاختلاف والتعدد وتتوسل إلى ذلك بالنقد الذي يعتبر أساس كل بناء وإصلاح وتقويم .
91