أمين اضريف*
صدر حديثا كتاب “الحجاج الموسع: الأسس والمبادئ” لرائد الحجاج في العالم العربي الدكتور أبو بكر العزاوي، يقع الكتاب الصادر عن مطبعة وراقة بلال-فاس/المغرب، في مئتين وتسعين 290 صفحة، وينقسم لقسمين: الأول موسوم بـ”الحجاج الموسع: بعض الأسس والمرتكزات” عرض فيه سياق بروز نظرية الحجاج في اللغة/النموذج المعيار لأوزفالد ديكرو، مبينا أنه انطلق في صياغة نظريته من فلسفة اللغة العادية، والفلسفة التحليلية، والعلاقة بين اللغة والمنطق، وبين اللسانيات والرياضيات، وخاصة نظرية الأفعال اللغوية لجون لانكشو أوستين، وجون سورل، مع الإشارة إلى تمفصلات انبثاق هذه النظرية مع البلاغة العربية القديمة.
دافع أوزفالد ديكرو في نظريته على وجود منطق للغة، يختلف عن المنطق الصوري والرياضي، وسعى إلى اكتشاف قواعده من خلال البحث في البنية الداخلية المتحكمة في تسلسل الأقوال وتتاليها وتتابعها بشكل متنام وتدريجي واستنتاجي، على عكس المقاربات الوصفية والصدقية للمعنى، التي تعتمد بشكل كبير على مفهوم الصدق.
اعتمد ديكرو في صياغته لهذا المنطق في نظريته، على مجموعة من المفاهيم الرئيسة والفرعية، وعرضها أبو بكر العزاوي في الكتاب قيد التقديم كالآتي:
-المفهوم العام: الحجاج. والمفاهيم الفرعية: الحجة، والنتيجة، والعلاقة الحجاجية، والفئة الحجاجية، والسلم الحجاجي، والروابط الحجاجية، والعوامل الحجاجية، والقوة الحجاجية، والتوجيه الحجاجي، والمواضع أو المبادئ الحجاجية.
واجتهد تلامذة ديكرو في تطوير نظريته، وصاغوا من رحمها نظريات حجاجية أهمها:
-نظرية الكتل الدلالية لماريو كاريل. -نظرية دلالة الممكنات الحجاجية- لأولغا غالاتانو -نظرية النماذج القالبية، أو القوالب لجان كلود أنسكومبر. -نظرية وجهات النظر لبيار ايف ركاح. -ونظرية الحجاج الموسع لأبي بكر العزاوي.
وبعد التعريف بنظرية الحجاج في اللغة، والنظريات التي تفرعت عنها، عمل الكاتب على عرض أهم سمات نظرية الحجاج الموسع، وحصرها في خمس سمات، وهي كالآتي:
أولا- الحجاج الموسع حجاج لغوي: الحجاج الموسع حجاج لغوي ينطلق من الإواليات الداخلية لاشتغال اللغة، كأساس من أسس عناصر توسيع الحجاج، ويرى الكاتب أنه لا يمكن البدء في المقاربة المقترحة، قبل المرور من عتبة دراسة اللغة حجاجيا كما صاغها ديكرو في النموذج المعيار، وخاصة النموذج المُطور رفقة تلميذه كلود أنسكومبر.
ثانيا- الحجاج الموسع حجاج خطابي: تتيح هذه السمة للنموذج المعيار، الانتقال من دراسة الجملة إلى دراسة النص/ الخطاب، اعتمادا على لسانيات الخطاب، واللسانيات المعرفية، بناء على مجموعة من مفاهيم: كالبرنامج الحجاجي، والاستراتيجية الحجاجية، والعلائق الدلالية المنطقية، والانسجام الحجاجي، ومنطق الحجاج، والحجاج الأيقوي، والحجاج التصوري.
ثالثا- الحجاج الموسع حجاج معرفي ذهني تصوري: مع هذه السمة انتقل الكاتب بالحجاج من اللغة إلى الذهن، عبر ربط الحجاج اللغوي بالدلالة المعرفية والدلالة التصورية، واعتبر أن الحجاج المعرفي التصوري الذي يتم في مستوى الذهن هو الأصل الأعم والأشمل، وكل أنماط الحجاج الأخرى هي فروع أو تحققات وتجليات له.
رابعا- الحجاج الموسع حجاج تداولي: السمة الرابعة للحجاج الموسع تركز على الطابع التداولي والسياقي للغة والخطاب، وتربط البنية بالوظيفة، والمقال بالمقام، من منطلق أنه لا يمكن -حسب رأي الكاتب في هذا السياق- دراسة أي ظاهرة لغوية أو خطابية أو تواصلية خارج السياق التداولي والمقام التخاطبي، لأن المعنى يُبنى داخل السياق معرفيا وتداوليا.
خامسا- الحجاج الموسع حجاج شمولي: في السمة الأخيرة للنموذج المقترح، حاول الكاتب توسيع مجال الحجاج اللغوي بشكل كبير، وجعله مجالا شموليا وعموميا، مستثمرا في توسيعه ما أنجزه من دراسات حول الروابط الحجاجية، والاستعارة، والأمثال، والأيقونات، والحوار..، والتواصل بكل أنواعه: اللغوي، والأيقوني، والسلوكي..
كانت هذه أهم ملامح سمات الحجاج الموسع الذي اقترحه أبو بكر العزاوي، ومعها برزت الفروق الواضحة بين النموذج المعيار، والنموذج الموسع، ولعل أبرزها تخلي ديكرو على مفهوم الموضع، وخاصة في أعماله الأخيرة، في سياق تركيزه على الطابع البنيوي لنموذجه. أما النموذج الموسع، فلم يتخل عن هذا المفهوم، وتناوله بشكل أوسع وأشمل، واعتبره ركنا أساسا، لأنه الضامن لسلامة الربط بين الحجة والنتيجة، ويقوم مقام الاستنتاج المنطقي.
أما الفرق الثاني، فيتجلى في تخلي ديكرو عن فرضية التداوليات المدمجة، إمعانا في الاهتمام بما هو بنيوي دلالي، وقد تخلى أيضا عن مفهوم السلم الحجاجي في مقابل احتفاظ النموذج الموسع المقترح بهما، وإن قلّت نسبة حضور المفهوم الثاني في بعض النصوص والخطابات.
ختم الكاتب القسم الأول بالوقوف عند أبرز الانتقادات الموجهة للنموذج المعيار، وخاصة انتقادات مدرسة جنيف بزعامة إيدي غولي، التي انتقدت هيمنة الطابع البنيوي، والوقوف عند حدود الجملة، وعدم الاشتغال على النصوص والحوارات والخطابات التي تم إنتاجها في سياقات ملموسة. في مقابل اقتراح هذه المدرسة، نموذجا لتحليل الحوار وتحليل الخطاب، يقوم على الدمج بين نظرية الحجاج في اللغة التي طورها ديكرو رفقة أنسكومبر، والتحليل الحواري الذي اقترحه عالم الاجتماع هارفي ساكس. أما القسم الثاني فقد خصصه الكاتب لملاحق أدرج فيها مقدمات بعض أعماله، وخاصة التي درس فيها نظرية الحجاج الموسع، كاللغة والحجاج، والخطاب والحجاج، والخطاب المثلي، والخطاب الإشهاري، والخطاب القرآني، وأنماط الاستدلال القرآني، والاستعارة والحجاج، والحجاج ومناهج الخطاب، والترجمة والحجاج.
*طالب باحث في تكوين الدكتوراه