عرفت من الكوميديين المغاربة أجيالا، جاؤوا إلى الفن من محترفات، كان همها الأوحد تمثل النظريات والاجتهاد في صناعة الفرجة الوطنية، بما يتلاءم وطبيعة هذا الجمهور الذي عاش في بنيات ثقافية، ولها موروثات من الفرجة الشعبية، كالحلقة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تعاطوها المغاربة في حقب سابقة.
وظل المبدعون المغاربة يبحثون في أقرب الأشكال التي تعمل على بناء فرجة مغربية ولو تأثروا بالتجارب العربية والعالمية.
هذا المسار وجد له أيضا تنظيرات أكاديمية كما فعل بعض المثقفين المغاربة أو إطارات جمعوية حملت المشعل لسنوات عديدة في زمن سنوات الجمر والرصاص، كما لعبت دور الشباب أدوار طلائعية في تقديم وجوه مسرحية.
جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وساهمت عوامل عديدة في تراجع دور الثقافة والمثقفين، منذ أو وقع التشكيك في هذه الوظائف مع هيمنة قيم اقتصاد السوق وتسليع الإنسان وقيمه.
فظهر جيل جديد لم يتخرج من المعاهد العليا للتثقيف المسرحي، ولا يحملون زادا معرفيا ولا أصولا نظرية، بل كانوا نتاجا لبرامج ومسابقات تلفزيونية.. وحازوا وجودا باهتا ينسجم مع التيارات الشعبوية المهيمنة.
أحد هذه الوجوه، الشباب النحيف طاليس الذي ألمني كيف جاء للفن؟ وكيف راكم منه ثروة في زمن قصير؟ وكيف غدا يتوهم أنه من المأثرين في صناعة الفرجة؟
وفي عجالة شديدة، أقول أن هذا الفتى عمل على الترويج لقيم العمل في التعاقد مع الممثلين والعاملين لجانبه ( كرباعة ) في حين هو نفسه ظل يعمل بنظام ( الخبزة ) وهي قيم أنتجها واقع زراعي في علاقة كبار الفلاحين بالمزارعين المياومين، وعمل على تبنيها طاليس في الاستفادة من الدعم العمومين والالتفاف على حقوق غيره..
هذا ما وقفنا عليه في الشيك الذي سحبه من طالب في الأسلاك الجامعية، عمل إلى جانبه وعوض أن يعطيه الأجر المتفق عليه، أخذ منه شيكا بمبلغ 8170.00 درهما، وساهم في تخريب حياة هذا الطالب الذي يجمع العديد من معارفه على أنه وديع..
هذا الأمر قادني لاستفسار العديد ممن عملوا إلى جانب طاليس، فأكد لي معظمهم، أنه كان يلتف بمقالبه على حقوقهم مثل شابة من سطات والتي دخلت معه في صراعات قوية من أجل حقوقها، ومنهم أيضا شبابا عملوا إلى جانبه في صياغة بعض النصوص الفرجوية والعديد منهم أجمعوا على أنه احترف الالتفاف على الحقوق، مما مكنه وفي ظرف وجيز من مراكمة ثروة، لخلق مشروع استثماري كبير بمنطقة المعاريف التجارية بالدار البيضاء، عبارة عن مقهى فني.
ففي تاريخ حياة الفنانين المغاربة باستثناء الراحل الطيب الصديقي صاحب المسار الطويل والمؤثر العظيم في المسرح المغربي والعربي قلما نجد فنانا أقام مشروعا فنيا بالحجم الذي أقامه طاليس، وهو الأمر الذي يفرض اليوم التوجه إليه البحث والاستقصاء، لمعرفة جذور ومنابع هذا الثراء، والذي صار يتمتع به طاليس ويؤهله ليبث رسائل تنزاح في العديد من أعمالها، للتهكم من أجل إنتاج ضحك كالبكاء على أحوالنا المعيشية وهي لا ترتبط بفن الفرجة كما توارثناه، هادفا ومؤثرا في اليومي والمعيش، من أجل التنبيه إلى بعض الظواهر الناشئة كما كان يفعل بزيز وباز والخياري وسعيد الناصري وعاطر الذي ظل طوال حياته منشغلا في إماطة اللثام عن ثقافتنا الشعبية والتي جاءها من التمثيل للارتقاء بها إلى برنامج إذاعي يعمل على النبش في (رائحة الدوار) والمسح الأركويولوجي لطبقات الذاكرة الشعبية في غناها وتنوعها بين مناطق المغرب.
اليوم علينا التحلي بالجرأة المطلوبة، لمساءلة كل فنان عن العلاقة بين بين ممارساته اليومية وتمثلاته الاجتماعية، وما ينتجه من نصوص ويعمل على الترويج لها بين الناس..
النص الذي يتحدث عن امرأة مغربية مهاجرة كيف تتعاطى مع ابنها ببلاد المهجر وفي عودتها إلى المغرب تتلقفه بالمطار لتمارس عليه سادية مزعومة، بدعوى أن حقوق الأطفال مصانة في بلادنا الإفرنج ومنعدمة داخل وطننا.
إنه نص مريض، ومتفكك البناء، وبرسائل كاذبة ومغلوطة ومنحطة. ولا تتشكل فيها عناصر الفرجة، كبناء لعوالم الشخصيات النفسية والتاريخية والاجتماعية التي لا يقو على تمثلها إلى النصوص الإبداعية العالمة والمحبوكة في صناعة الفرجة.
وعلى منواله تنسحب نصوص (صلاح وفاتي..) لكن حين نحول وجهتنا إلى فنان المقتدر مثل الفذ، فقد لا تصح المقارنة لوجود الفوارق النوعية بين (هاوي) ومحترف يبدع في الشخصيات ويعيشها بكل تفاصيلها وجزئياتها، كشخصية كبور التي حولها إلى ذات اجتماعية تعيش بيننا بكل حمولتها الواقعية وعفويتها.. وهي شخصية لها رؤية في الحياة وتثير الضحك على مواقفها المتعارضة وسذاجتها وطيبوبتها.
وككل أعمال الفذ، فإن بناء الأعمال يأخذ وقتا طويلا لبناء العمل في كل مقوماته الفنية، بدء من النصوص ومضامينها وشخوصا وطرق أدائها.
أتمنى أن يكون لي حيز من الوقت للعودة إلى المنابع التي يستقي منها طاليس أعماله والسياقات التي تتحكم فيها والسلوكيات والقيم التي يروج لها .