ذ.عبدالصمد خشيع
طالعتنا التلفزة المغربية بإنتاج بعنوان “أولاد إيزة”، في مشاهد كوميدية اختارت إحداها رجل تعليم أشعت أغبر، رث الثياب بألوان متعددة، تعكس مستوى التهندم وطريقة الهندام الملتصقة برجل تعليم في ذاكرة السياسة العمومية، والوضع الاجتماعي للدولة المغربية، ونكت بعض المغاربة، وهي صورة غير بريئة رغم أنها مغلفة بدواعي فنية وإبداعية محاطة بحرية التعبير..لماذا ؟ لأن ذاكرة المخزن للأسف إلى حينه لم تتخلص من عقدة -المعلم – المزعج، الذي صنع بوادر النضال في عقول أبناء المدرسة العمومية، واستطاعت أجياله أن تفضل السجون على أن تنصاع وتستكين لظلم الطبقات الهشة والفقيرة، وبالمصطلح المصري للناس الغلابة، على يد مراكز القرار بكل مكوناتها٠
المعلم هاته الكلمة الساحرة التي جمعت العلم والتربية والانضباط والصرامة والتسامق وعزة النفس وأنفة التدريس، ظلت على امتداد سنين عديدة عقدة السياسي والوصولي والأمي الحاكم، والرئيس الجاهل، والغني الفاحش والمخزن/الحاقد، لكن في جوهرها وبدلالتها ارتبطت بعلماء الاجتماع والفلاسفة والفقهاء والمفكرين الذين تركوا لنا تراثا جميلا في كل شيء ومازلنا نمتح منهم إلى اليوم، بفضل إنجازاتهم ومجلداتهم.ا
لدول التي تحكم العالم الآن عسكريا واقتصاديا، نهضت بالتعليم وأعادت لرجال التعليم مكانتهم، وتلمست النجاح الذي تصبو إليه بكل هدوء (واعطي مثالا بدولة الصين – ثم بدولة إثيوبيا وبعض الدول الأفريقية الأخرى، التي خرجت من عنق الزجاجة بفضل التركيز على سياسة تعليمية ناجحة)، لكن الدول التي تلعن شمعة الظلام، تعيش ارتباكا حقيقيا رغم أنها تصرف الملايير لتحقيق تنمية مغيبة أو عرجاء، وبدل أن تعيد قراءة الواقع بما يمليه من تحدٍّ حقيقي مرتبط أساسا بمنظومة التعليم وإحداث ثورة ثقافية حقيقية، كما شرحها المفكر المقتدر حسن أوريد في كتابه (الحاجة إلى ثورة ثقافية)، فضلت القنوات الرسمية أن تعمق من جرح المغاربة بتقديم صورة معلم يغالب فقره ومشاكله ومظهره بصورة تثوي الإسفاف والابتذال والتقزز ، حتى يتمكن المخرج من إقناع أطفالنا بأن الصورة أو الأنموذج المثالي لمستقبلهم، هو من يملك سيارة فارهة، نجهل مصدرها، أو من يملك عقارات بالملايير في ضربة حظ مجهول، أو من يديرنا سياسيا بأصوات ثم الظفر بها بشراء الذمم أو من يملك أموالا في ظروف غامضة٠
ولكن لايسعف الدولة حقدها في أن تعطي للمعلم الصورة التي يستحق، بدءا بتربية الأجيال، مرورا بمعاناته مع رسالته في أداء مهمته وانتهاء بتقديم أبنائه إلى الدولة وهم قضاة ومحامون وأطباء ومهندسون وموظفون ووزراء، بل رؤساء حكومات٠