بقلم الكاتب محمد الشمسي
لم يكن وهبي ينطق عن الهوى حين خاطب موظفا بأنه هو وزير العدل، حامي أمن البلاد والعباد، وأن كل المؤسسات تعمل معه، وأنه هو “مول المحاكم”، وأنه هو العالم والعليم الخبير المدرك بدبيب النمل ولون الطقاشر…أدركت حينها أننا أمام وزير يحلم بزمن “قايد أيامات فرنسا”، لو قالها وزير داخلية لقلنا لعله يحمل “جينا بصْريا”، ولو قالها وزير للأوقاف لقلنا ربما يتأبط فتوى شاذة أو حديثا موضوعا، لكن أن يقولها وزير يحمل حقيبة العدل المرادف للإنصاف والقسط والمساواة والاستقامة، فإن وراء الأكمة ما ورائها…وسرعان ما يأتينا البيان يوم 10 دجنبر 2021، ليضع وهبي المجلس الأعلى للسلطة القضائية على شماله، ورئاسة النيابة العامة على يمينه ويقود غارة ثلاثية ضد الدستور، وضد مبدأ استقلال السلط، يتجلى فيها وزير العدل “كبيرهم” وتظهر فيها السلطة القضائية المستقلة بقوة الدستور ومعها رئاسة النيابة العامة التي فكت ارتباطها بوزير العدل بقوة القانون مجرد تابعين من توابع وزارة العدل يوقعان معه رسالته التي تحمل رأسية وزارته، يجمعون فيها على أن المحاكم لن يدخلها إلا الملقحون.
فمنذ متى تقاسمت السلطة القضائية والتنفيذية رسالة واحدة؟ وماذا يجمعهما دستورا وقانونا حتى تجمعهما رسالة وهبي؟ وهل عجزت السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة على أن تستقلا برسالتهما بعيدا عن شبهة وزير العدل؟ لقد وقعت السلطة القضائية في كمين وهبي السياسي، ففرطت في استقلالها، فليس من اختصاصاتها الترويج للتدابير التي أقرتها الحكومة لمحاصرة الأوبئة، وليس من اختصاصها الحديث عن أمور تقنية صحية كالمتحورات المتعددة للفيروسات، فأين يتوجه المتقاضي الراغب في الطعن في هكذا قرارات؟ وبأي وجه يقصد محكمة من المحاكم و هذا المجلس الأعلى للسلطة القضائية بجلال قدره يبارك تلك القرارات ويضع. عليها خاتمه؟
وهكذا لم يهدأ بال لوهبي إلا وهو يخلق “محاكم التفتيش” التي سيفتش فيها المفتشون القاضي والمحامي والموظف والمتقاضين بحثا عن الجواز الصحي تحت طائلة “رجع منين جيتي ولن تدخل المحكمة بعد اليوم”، ولكي يضفي وهبي شرعية على نزقه جر معه السلطة القضائية ووضعها في فوهة مدفع المواجهة مع فئة عريضة من المواطنين، فأفقدها حيادها وموضوعيتها.
وأستغرب كيف ركب المجلس الأعلى للسلطة القضائية رئاسة النيابة العامة سفينة وهبي الشبيهة بسفينة الأشباح التي لا تجلب إلا الفتنة الكبرى، فعدد غير قليل من القضاة والمحامين والموظفين والمتقاضين اختاروا عدم التلقيح انسجاما مع “حرية اللقاح” الذي تقره الحكومة ذاتها.
لكن مع “محاكم التفتيش” سيكون عليهم أخذ الجرعة الأولى وانتظار 28 يوما للجرعة الثانية ثم انتظار 6 أشهر للجرعة الثالثة، وهذا يعني منعهم من دخول المحاكم لقرابة 7 أشهر شمسية كاملة ستعصف بالحقوق عصفا، لا لشيء إلا ليثبت وهبي للناس انه “إلا قالها يقد بيها”.
فلماذا لم يصدر وهبي رسالته بمفرده؟ ولماذا احتمى بالسلطة القضائية لدعمه في عدوانه؟ نقول هذا وننتظر ردات أفعال المحامين وجمعيات القضاة ونقابات الموظفين على غارة وهبي الفجائية، أما المتقاضون فلهم الله، وكان الله في عوننا طيلة الخمس سنوات القادمة مع وزير عدل يؤسس ل”متحور جديد” لوزارة العدل..لذلك رأيت فيما يرى النائم خمس سنوات سياسية يأكلهن وزير العدل