بقلم أمكار عصام
تواجه فرنسا حاليًا منعطفًا سياسيًا جديدًا يتمثل في صعوبة إنشاء تحالف برلماني قادر على تحقيق أغلبية واضحة، إذ يعكس هذا التعثر السياسي حالة من التوتر والقلق داخل الأروقة السياسية الفرنسية، حيث يصعب على الأحزاب الرئيسية التوافق على برامج سياسية موحدة، مما يضع البلاد أمام تحديات كبيرة قد تؤثر على استقرارها الداخلي ومسار سياساتها الخارجية.
بالنسبة للمنطقة المغاربية، فإن للانتخابات الفرنسية تأثيراً مباشراً لا يمكن إغفاله. ففرنسا، بحكم تاريخها الاستعماري وعلاقاتها السياسية والاقتصادية المتشابكة مع دول المغرب العربي، تبقى لاعباً رئيسياً في تحديد توجهات المنطقة. ومع التغيرات السياسية في باريس، يضطر مركز القرار في المغرب إلى إعادة ترتيب أوراقه، والتركيز على التيارات السياسية الرئيسية داخل البلاد: اليمين، الوسط، واليسار، وليس على الأحزاب هذا التحول قد يفتح المجال أمام عودة شخصيات سياسية كانت على هامش الحياة السياسية، مثل قيادات من حزب الاستقلال والاتحاد، وقد نشهد انسحاباً تدريجياً لشخصيات كانت تتمتع بنفوذ سياسي واضح.
على الجانب الآخر، يجب أن يكون التعديل الحكومي في المغرب جاهزاً للتعامل مع أي مستجدات قد تأتي من الاتحاد الأوروبي، إذ يفرض الترابط الاقتصادي والسياسي بين المغرب والاتحاد الأوروبي على الرباط أن تكون في حالة استعداد دائم للتكيف مع التغيرات في السياسات الأوروبية.
أما في الجزائر، فإن الوضع أكثر تعقيداً وهشاشة. فالبلاد مهددة بانهيار مفاجئ بسبب أن النخبة العسكرية الحالية صارت متجاوزة من طرف الأحداث والرهانات وصارت أكثر انعزالا داخل الجيش الجزائري وعدم قدرتها على الدخول في تحالفات إقليمية ودولية مستقرة.
إن الأوضاع السياسية الداخلية والتوترات الاجتماعية تجعل الجزائر في موقف صعب، حيث تتزايد الضغوط على الحكومة لإيجاد حلول جذرية لمشاكلها المتراكمة.
من منظور الصين وروسيا، ترى الجزائر نفسها جزءاً من تكتل مغاربي مستقل عن الغرب، وهو ما يتطلب منها عدم دفع المغرب في اتجاه آخر، بمعنى آخر، ينبغي على الجزائر أن تحافظ على علاقات متوازنة مع المغرب وتترك له حرية التجربة في خياراته السياسية والاقتصادية حتى تتضح له إمكانية التعاون التي تفيد الروس والصينيين.
لن يعتمد الصينيون، على وجه الخصوص، إلا على من يزيل الحواجز أمام قيام سوق مغاربية بإمكانيات تلبي مصالحهم الاقتصادية.
في الواقع، لا توجد نخبة مغاربية قادرة على مواكبة هذه التطورات الديناميكية، مما يفتح الباب أمام قرارات فوقية قد تكون صعبة التنفيذ وتواجه مقاومة من طرف مراكز القوى هذا الوضع يجعل من الضروري التفكير في إصلاحات هيكلية تعزز من دور المؤسسات وتعيد الثقة إلى العملية السياسية.
وفي الختام، ينبغي أن نعود إلى الذاكرة ونتساءل: ماذا حدث في المنطقة المغاربية وأفريقيا حين فاز اليسار بالرئاسة في فرنسا في بداية الثمانينيات؟ آنذاك، شهدت المنطقة تغيرات جذرية في سياساتها وتحالفاتها، حيث دفعت رياح التغيير إلى إعادة تشكيل العلاقات الدولية والإقليمية.
فهل سيكون للانتخابات الفرنسية التأثير ذاته؟ أم أن المنطقة تعلمت من دروس الماضي وستكون قادرة على التعامل مع التحديات المستقبلية بمرونة وذكاء؟
الواقع أن الأوضاع الراهنة تتطلب قراءة دقيقة للمشهد السياسي وتوقعاً مستنيراً للخطوات المقبلة.
لن تكون التحولات السياسية في فرنسا بمعزل عن التأثير على المنطقة المغاربية، وعلى صناع القرار في المغرب والجزائر أن يكونوا على استعداد للتكيف مع هذه التغيرات بما يخدم مصالح بلدانهم ويعزز من استقرار المنطقة ككل.