هيئات تطالب بإخصاء مغتصبي الأطفال وتراسل السلطة القضائية والنيابة العامة

أعاد الحكم الصادر في حق مغتصبي طفلة مدينة تيفلت، أخيرا، العقوبات السجنية الموجهة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب، خاصة ضد الأطفال، إلى واجهة النقاش من جديد، حيث تعالت الأصوات الحقوقية بضرورة عدم التساهل وإقرار عقوبة الإخصاء، وكذا أقصى العقوبات في حقهم.

وزير العدل عبد اللطيف وهبي صرح في هذا السياق بأنه صدم لمضمون الحكم في حق المتهمين في ملف اغتصاب الطفلة، وقال إن “واقعة اغتصاب الطفلة الضحية التي نزلت كالصاعقة على نفوسنا تسائلنا من جديد جميعا، كمسؤولين وكفاعلين وكمجتمع مدني، حول الجهود الضرورية التي يجب تعزيزها وإعمالها، تشريعيا وفكريا وتربويا وتحسيسيا، لحماية طفولتنا من الاغتصاب أولا، وثانيا للضرب بقوة على يد كل من سولت له نفسه العبث بطفولتنا من جميع الجوانب. ونحن عازمون تشريعيا في وزارة العدل على تشديد أقصى العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد، حماية للطفولة من جرائم الاغتصاب ومن تعاطيها للمخدرات وغيرها من الاعتداءات التي قد يتعرض لها أطفالنا”.

مطلب “الإخصاء”

بثينة القروري، رئيسة منتدى الزهراء، قالت إن الحكم الابتدائي الصادر عن غرفة الجنايات الابتدائية بالرباط يثير الكثير من القلق والخوف على مستقبل الأطفال المغاربة في ظل تنامي ظاهرة الاعتداءات الجنسية عليهم.

كما أشارت، في تصريح لهسبريس، إلى أن المنتدى، وهو يقدم مقترحاته بخصوص تجويد القانون الجنائي، طالب بأشد العقوبات، وبإقرار الإخصاء كعقوبة لمرتكبي جرائم الاغتصاب، خاصة إذا كانت مقرونة بعنف ضد الأطفال.

وأوضحت أن قرار المحكمة، الذي أصدرته يوم 20 مارس الماضي، أقر بأن الأفعال المرتكبة من طرف المتهمين تستوجب العقوبات المنصوص عليها في المادة 471، التي تنص على عقوبة سجنية تتراوح بين خمس وعشر سنوات، وفي الفصل 485 الذي ينص على عقوبة تتراوح بين عشر وعشرين سنة، والفصل 488 الذي ينص على أنه في حالة نتج عن الجريمة افتضاض المجني عليها، فإن العقوبة تكون من عشرين إلى ثلاثين سنة.

واستغربت القروري كيف أنه رغم هذا الإقرار فضلت المحكمة اللجوء إلى الفصل 146، الذي يمنح السلطة التقديرية للقاضي لمنح ظروف التخفيف مع تعليل قراره، حيث قامت المحكمة بالحكم على المتهمين الأول والثاني بسنتين (18 شهرا منها نافذة) والباقي موقوف التنفيذ مع غرامة قدرها 20000 درهم، فيما حكمت على المتهم الثالث (المتسبب في الحمل بعد إجراء الخبرة الجينية) بسنتين وغرامة قدرها 30000 درهم. وأضافت أن المحكمة بررت لجوءها إلى تخفيف الأحكام بـ”الظروف الاجتماعية للمتهمين”، وبـ”انعدام السوابق القضائية لديهم”، وكذا لـ”كون الجزاء المقرر قانونا لما أدينوا به قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة وبالنسبة لدرجة إجرامهم”.

وتساءلت قائلة: “هل التغرير بقاصر بالتدليس، وهتك العرض بالعنف الناتج عنه افتضاض والناتج عنه حمل، والتهديد بالسلاح الأبيض ليست أفعالا خطرة؟ وهل طفلة بريئة لم تسمح لها ظروفها الاجتماعية بولوج المدرسة، ويشتغل أبوها في رعي الأغنام، وأمها تشتغل في الحقول..، أليست هذه الطفلة، التي ظروفها الاجتماعية والاقتصادية أقسى، أولى بالتعاطف من طرف هيئة الحكم وتشديدها العقوبة على المتورطين؟ وهل يمكن للسلطة التقديرية للقاضي أن تتجاهل المخاطر المترتبة عن مثل هذه الأحكام المخففة، التي يمكن أن تساهم في تشجيع “مرضى” البيدوفيليا على استهداف الأطفال المغاربة وزيادة الاعتداءات الجنسية عليهم”.

وأكدت رئيسة منتدى الزهراء أن حالة الطفلة المتحدرة من نواحي تيفلت تستدعي عقوبات أشد، بوصفها قاصرا، ولكون الاغتصاب نتج عنه حمل، مشيرة إلى أن الاغتصاب كان بالتناوب بين المتهمين الثلاثة، لكن القضاء رأى أن المجرمين يستحقون فقط حكما بين سنة ونصف وسنتين حبسا، مشيرة إلى أن هذا الحكم مخيف ومقلق ومرعب، في الوقت الذي تشدد الدول العقوبات على مثل هؤلاء المجرمين، كألمانيا والدنمارك، التي تضيف عقوبة إضافية أخرى إلى جانب العقوبات الحبسية طويلة الأمد، من قبيل الحكم بالإخصاء الكيميائي، حماية للطفولة البريئة من الاعتداءات الجنسية الوحشية، وتحقيقا لمقاصد الردع ضمانا لعدم وقوع مثل هذه الجرائم البشعة.

السلطة التقديرية

وجه اتحاد العمل النسائي وشبكة مراكز النجدة رسالة مفتوحة إلى الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، حذر فيها من المساس بالأمن القضائي.

وأكد الاتحاد، في الرسالة التي توصلت هسبريس بنسخة منها، أن تمتيع المتهمين باغتصاب طفلة دون سن التمييز القانوني بأقصى ظروف التخفيف وجعل جزء من العقوبة الحبسية موقوف التنفيذ لاعتبارات مرتبطة بشخص المتهمين وبمستوى خطورة الفعل، التي هي في الأصل ظروف تشديد واضحة وثابتة، يعبر عن ممارسة قضائية مختلة ومناقضة لأسس الأمن القضائي.

كما أن هذا الحكم، يضيف المصدر ذاته، يمس بالمجهودات التي يبذلها المجتمع المدني والدولة، بمختلف مؤسساتها الدستورية والسياسية والحقوقية والقضائية، لحماية حقوق الأطفال، وتكريس الحقوق الإنسانية للنساء من خلال الإرادة المعبر عنها في مختلف مراكز القرار، والتي تروم تقوية قواعد سياسة جنائية فعالة ورادعة للقطع مع كل الممارسات والأفعال والسلوكات المفضية إلى الإفلات من العقاب، وكذا مع نزوعات الانحياز إلى ظروف المتهم عندما تكون الضحية في وضعية هشاشة بسبب جنسها وحداثة سنها وانتمائها الاجتماعي المثقل بالعزلة والقهر والفقر.

وأبرز الاتحاد أن التساهل البادي في حيثيات الحكم ومنطوقه مع مغتصبين عبثوا بجسد طفلة، باتفاق وتواطؤ وتناوب بينهم، يعيد التساؤل حول مفهوم السلطة التقديرية وحدودها والنتائج الخطيرة التي تترتب عنها عند الميل غير المبرر لانتقاء مقتضيات قانونية دون غيرها من القانون الجنائي بشكل يبرر أفعالا جرمية في غاية الخطورة والبشاعة، ويلغي الحماية الجنائية للطفلات، ويستبيح أجسادهن وكرامتهن وإنسانيتهن، ويستكثر عليهن إنزال العقوبة الجنائية المقررة قانونا، رغم أن الأمر يتعلق باغتصاب بشع نتج عنه حمل وولادة، وذلك بتأويل متعسف لمعنى خطورة الفعل، حيث يرى في العقوبة كونها قاسية ضدا على قصد المشرع بما يشكله كل ذلك من انتصار للمغتصبين على حساب طفلة هي أولى بالحماية والاعتبار.

وأكد أن تمتيع المغتصبين بظروف التخفيف اعتبارا لظروفهم الاجتماعية وتغييب تداعيات الاغتصاب على الضحية، وعدم استحضار حجم المآسي والمشاكل التي ستواجهها وابنها طوال حياتهما، سواء على المستوى النفسي أو الجسدي أو الاجتماعي، يشكل حيفا آخر ينضاف إلى معاناة الضحية.

وأضاف أن مثل هذه الأحكام، التي تساهم في إفلات المغتصبين من العقاب، قد تؤدي إلى التطبيع مع جريمة الاغتصاب والتشجيع على الاعتداءات الجنسية بمختلف أنواعها ضد النساء والفتيات، مما سيؤدي إلى استفحال هذه الظاهرة، وتقويض كل الجهود المبذولة في هذا المجال.

ولفت الاتحاد إلى أن الحكم الصادر ضد المغتصبين يشكل اجتهادا خارج سياق مغرب اليوم، بعيدا عن مكتسبات النص الدستوري في باب الحماية الجسدية والنفسية للطفلات، ودون أن يأبه بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ولا علاقة له بقواعد العدل والإنصاف التي هي أساس العدالة الجنائية وقوامها.

وطالب المسؤولين في السلطة القضائية بإعمال سلطاتهم التي يخولها لهم الدستور والقانون وفق ما يوطد الثقة في القضاء ويسمو بمعنى الأمن القضائي ويحمي الحقوق والحريات.

Exit mobile version