لصوص الأحلام

عصام أمكار

في سجل التاريخ، نجد العديد من الشخصيات البارزة التي كانت قريبة من دوائر السلطة قابلت الخير بالشر، والمحبة بالكراهية، والثقة بالخيانة، واعتمدت في كل تحركاتها على الدسائس والمؤامرات والمناورات من أجل الإستمرارية، ومن بين هذه الشخصيات نجد أسماء بارزة من بينها: جعفر البرمكي، راسبوتين، ويهوذا، هؤلاء جميعا كان مصيرهم الموت بعد أن تورطوا في أفعال مثيرة للجدل، وشكلت هذه النهاية لغزا محيرا يستحق البحث والتقصي والنبش من خلال تركهم لبصمة عميقة في التاريخ الإنساني .

قد يتساءل البعض عن السبب وراء تصرفات هؤلاء الشخصيات، ولماذا انتهت حياتهم بشكل مأساوي، بينما كانوا يزعمون أنهم يملكون كل مقاليد السلطة والنفوذ، الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، ولكن يمكننا تفكيك ومحاولة فهم بعض الجوانب الشخصية التي رافقت حياة هؤلاء الذين كانوا يملكون كل شيء، وفي لحظة فقدوا كل شيء .

وإذا كانت هاته الشخصيات قد مثلت بعضاً من أسوأ جوانب الإنسانية، فإنهم أيضًا يلقون بالضوء على مدى تأثير البنية السياسية والظروف الاجتماعية على تصرفات الأفراد، حيث يمكن للظروف والضغوط أن تكون سببا في توجيه سلوكات الفرد وتوجيهها نحو الخير أو الشر .

ومن هنا يمكن أن نفهم من خلال دراسة هاته الشخصيات مدى تأثير السلطة على الأفراد وأن البنية التي تربى فيها هؤلاء هي التي أنتجت هاته السلوكات التي أثرت على مسار مجتمعات من خلال القرارات المتخذة سواء كانت حكيمة أو متسرعة مرتبطة بطبيعة المرحلة ولا تستحضر القيم والأخلاق والحصافة .

والسؤال الذي يجب أن نطرحه في هذا السياق هو : لماذا يتم إبعاد من يستحق ويتم تقريب من لا يستحق ؟ هل هذا الأمر مرتبط بالبنية السائدة التي تحول الكل إلى عجين طبع ؟ أم أن هذه البنية العميقة تكيِّف ولا تكيَّف ؟ وهل لصوص الأحلام مازالوا متواجدين بيننا بالصيغة التقليدية ؟ أم يعودون في كل مرحلة على شاكلة أخرى ؟

جعفر البرمكي: وزير الخليفة هارون الرشيد، الذي حاول قتل ابنه هارون، لكنه في النهاية قُتل على يد موسى بن جعفر .

راسبوتين، الراهب الصوفي الذي كان له نفوذ كبير على الإمبراطورة الروسية ألكسندرا، لكنه في النهاية قُتل على يد مجموعة من النبلاء.

يهوذا الأسخريوطي: أحد التلاميذ المقربين جدا من المسيح، والذي خانه مقابل المال، لكنه في النهاية انتحر بعد ندمه الشديد على فعلته .

يمكن القول إن هاته الشخصيات تمثل مثالا حيا للتسلط داخل المجتمع ، وكيف يمكن للنرجسية المفرطة أن تكون سببا في انهيار الفرد قبل المجتمع، وإن السلطة الزائفة لا يمكن أن تستمر إذا لم تكن مرتبطة بحس يغلب المصلحة العامة على الخاصة، وإن القواعد العامة هي التي يجب أن تسود بعيدا عن المحاباة، وإن التلاعب بالآمال تكون نهايته مأساوية لمن يتوهم أنه يملك صورة السلطة ولا يملك جوهرها .

وتعد نماذج هذه الشخصيات درسا مهما في تأثير السلطة على الأفراد، الذين يبسطون سيطرتهم على كل المؤسسات، ويمكن من خلال هذه النماذج أن نستخلص هذه العبر من حياتهم:

السلطة يمكن أن تؤدي إلى الغرور والنشاط: عندما يُمنح الفرد السلطة، فقد يصبح مغرورًا ويعتقد أنه فوق القانون، وقد يؤدي ذلك إلى التسلط على الآخرين واستغلالهم .

السلطة يجب أن تستخدم لخير الناس: السلطة هي أداة يمكن استخدامها لخير الناس أو شرهم، وبالتالي يجب على أولئك الذين يتمتعون بالسلطة أن يستخدموها لتحسين حياة الآخرين، وليس لتدميرها.

الأخلاق والقيم مهمة في السلطة: لا يمكن للسلطة أن تستمر بدون الأخلاق والقيم . لذا يجب على أولئك الذين يتمتعون بالسلطة أن يتصرفوا بشكل أخلاقي ومسؤول .

في الختام، لصوص الأحلام مثل جعفر البرمكي وغريغوري راسبوتين ويهوذا الاسخريوطي يذكروننا بأهمية التوازن بين السلطة والأخلاق، يجب أن يستخدم الأفراد السلطة بحذر وبشكل مسؤول، وعليهم أن يضعوا الصالح العام فوق المصلحة الشخصية. تلك الشخصيات تظهر كمثال حي على كيفية تأثير السلطة على الأفرا وكيف يمكن أن تؤدي النرجسية والتسلط الزائف إلى نهايات مأساوية.

في النهاية، يجب على السلطة أن تكون مرتبطة بالأخلاق والقيم لضمان توجيهها نحو الخير وليس الشر .

يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً
فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ

Exit mobile version