د.كمال ذاكير يبسط مظاهر الإعجاز اللغوي في آية البحر المسجور

سليم لواحي ـ خريبكة

احتفاء باليوم العالمي للغة الضاد نظمت الكلية المتعددة التخصصات بخريبكة، يوما دراسيا تخللته مداخلات كثيرة من بينها مداخلة تطرق فيها الأستاذ كمال ذاكير في معرض مداخلته الى صور الاعجاز اللغوي في القرآن الكريم خاصة في آية وَالبَحْرِ الْمَسْجُور سورة الطور هي واحدة من الآيات التي تحمل إعجازًا لغويًا وعلميًا في القرآن الكريم، ولفهم هذا الإعجاز اللغوي يجب النظر إلى معاني الكلمات في سياقها، وكيف أن اللغة العربية في القرآن تحتوي على طبقات من المعاني والدلالات التي قد تكون دقيقة للغاية.

كلمة “البحر” في القرآن عادة ما تُستخدم للإشارة إلى المياه المالحة التي تشكل المسطحات البحرية الكبيرة. لكن في هذه الآية تحديدًا، وضمن السياق الكوني الواسع في سورة الطور، يمكن أن يكون “البحر” إشارة إلى الماء بشكل عام، سواء كان البحر المالح أو المياه التي تكتسح الأرض في أماكن مختلفة.

القرآن الكريم في بعض الآيات يشير إلى البحر كمصدر للحياة، حيث يُقال عنه في آية: “وجعلنا من الماء كل شيء حي” آية 30 من سورة الأنبياء. ولكن، هنا في سورة الطور، يتم تحديده بصفة معينة هي “المسجور”.

أما كلمة “المسجور” هي كلمة مُركبة، تعني “المُوقد” أو “المُشعل”. ففي المعجم العربي، “سَجَرَ” تعني “أوقد” أو “ألهب” النار. بمعنى آخر، عندما نقول “البحر المسجور”، فإننا نتحدث عن بحر مشتعل أو موقد.

يمكن تخيل البحر المسجور هو بحر مليء باللَّهيب أو حرائق تحت سطحه، مما يعطي صورة مدهشة للحرارة الهائلة والظواهر الطبيعية التي يمكن أن تحدث في أعماق البحار. البعض يفسر “المسجور” في هذا السياق على أنه تعبير عن الظواهر الطبيعية التي لم تكن معروفة في وقت نزول القرآن، مثل:

• البحار الحارة: المناطق التي تتميز بدرجات حرارة مياه عالية، مثل الحفر البركانية تحت البحر أو الشواطئ الساخنة.

• الظواهر البركانية تحت الماء: في المحيطات، هناك أماكن تحدث فيها انفجارات بركانية أو تدفقات حرارية تحت سطح البحر، مما قد يتسبب في “تسجير” البحر.

ويظهر الإعجاز العلمي عند تفسير “البحر المسجور” في سياق علمي حديث، يتحدث بعض العلماء عن ظاهرة المحيطات التي تحتوي على براكين تحت سطح البحر. هذه البراكين هي المسؤولة عن إطلاق الحمم البركانية الساخنة والغازات، مما يعكس صورة البحر الذي يتوهج أو يشتعل حرًا بسبب هذه الأنشطة البركانية.

وبالنظر إلى التطورات العلمية الحديثة في مجال دراسة المحيطات، نعلم أن هناك مناطق في المحيطات حيث يتم إطلاق الحرارة بشكل كبير، وهو ما ينسجم مع وصف “البحر المسجور” في القرآن.

أما الاعجاز البلاغي حسب رواية الأستاذ يتجسد في:

• التأكيد على العظمة والتفرد: استخدام لفظ “المسجور” في القرآن ليس مجرد وصف بسيط للبحر، بل هو تصوير لغوي فني يعكس حالة من الغموض والتعجب. فالكون، كما يظهر في القرآن، هو مكان مفعم بالقوى الطبيعية العظيمة التي تُسيطر على الإنسان، و”البحر المسجور” يمكن أن يشير إلى التفاعل العجيب بين الماء والنار.

• الصور البلاغية: هذه الكلمة تُحدث في ذهن القارئ صورة حية، فهو لا يتخيل بحرًا هادئًا بل بحرًا مشتعلاً، وهو ما يثير الدهشة ويجعل المعنى أكثر تأثيرًا.

أما في التفسير الرمزي والديني:

البعض يرى أن الإشارة إلى “البحر المسجور” قد تكون أيضًا إشارة إلى آخرة حيث يتم الجمع بين العناصر الطبيعية بشكل غير متوقع في المشهد الأخير.

يربط بعض العلماء هذه الآية بآيات القيامة، حيث يحدث تحول شامل في الكون في ذلك الوقت.

الإعجاز اللغوي في آية “وَالبَحْرِ الْمَسْجُورِ” لا يقتصر على جمال العبارة فقط، بل يمتد إلى تصوير واقع طبيعي قد يكون له علاقة بالتطورات العلمية الحديثة عن المحيطات والظواهر البركانية تحت المياه. هذه الآية تبين كيف أن القرآن الكريم جاء بعبارات قد تحمل أكثر من معنى وتفتح أبوابًا لفهم عميق للطبيعة من منظور علمي وبلاغي في وقتٍ متأخر عن نزول القرآن، مما يعكس صدق وحكمة كلام الله سبحانه وتعالى.

Exit mobile version