بين قرار الإلغاء ومخاوف السوق: عيد الأضحى في ميزان العقل

رضوان قليمي- المقال المغربي

حين قرر أمير المؤمنين، حفظه الله، أن تغمد السكاكين هذا العام، لم يقص سنة، بل استنطق روحها، فرفع عن الناس حرجا، وعن البلاد عبئا، وعن القطيع فرصة للنجاة.

في زمن الشح والمحن، يصبح تعليق الشعائر أحيانا طريقا لصيانتها، ويغدو التيسير حكمة لا يفهمها إلا من نظر إلى الدين بعين المصلحة، لا الطقس. إنه عيد يمر بلا خراف، لكن القرب فيه أقرب، والنحر فيه أشرف… نحر للأنانية، ولطقوس استعراضية فقدت معناها، وميلاد لوعي جديد، يعيد للأضحية معناها الأول: القرب من الله، لا القرب من السوق.

لقد جاء قرار إلغاء شعيرة الذبح لعام 2025، كما ورد في الرسالة الملكية، بناء على معطيات واقعية، أبرزها التراجع المهول في عدد رؤوس القطيع الوطني بنسبة 38 في المائة مقارنة بسنة 2016، بحسب ما كشفه وزير الفلاحة أحمد البواري. الملك محمد السادس، وهو أمير المؤمنين، لم يلغ شعيرة، بل مارس سلطته الشرعية على ضوء مقاصد الدين، فالدين لم يجعل في أمره حرجا، والسنة مؤكدة، لكنها مشروطة بالاستطاعة، والمصلحة مقدمة على المظهر.

غير أن اقتراب يوم العيد فتح بابا للتأويل، وربما للارتباك. ففي الوقت الذي تتداول فيه الأوساط الفلاحية أخبارا عن إغلاق محتمل لأسواق الماشية قبل العيد بأسبوعين، رفض وزير الفلاحة تقديم أي توضيح داخل قبة البرلمان. وهو صمت حكومي غير مبرر أمام لحظة تحتاج إلى جرأة في المصارحة، لا إلى التهرب، خاصة أن الإشاعات تسبق الحقيقة حين تصمت الدولة.

وقد لوحظ فعلا تراجع في أسعار الماشية، وارتياح نسبي في أوساط المواطنين، نتيجة انخفاض الطلب وتقلص المضاربة. لكن خلف هذه الصورة، تلوح أسئلة مشروعة حول دور “الشناقة” والسماسرة، وكيف استغلوا مناسبات دينية لتحويلها إلى بورصات للربح، بعيدا عن قيم التضامن والتقوى. لعل القرار الملكي هذه السنة يقطع الطريق على هذا الاقتصاد الموازي، ويمنح الكسابين فرصة لإعادة ترتيب أوراقهم، وربما يعيد السوق إلى حجمه الحقيقي.

وإذا كان البعض قد رأى في القرار صدمة، فإن من يتأمل الواقع البيئي والاقتصادي سيدرك أن إحياء الشعائر لا ينبغي أن يكون على حساب الاستنزاف، ولا أن يمارس كواجب اجتماعي ضاغط يثقل الأسر، بل كعبادة راشدة متى تيسرت شروطها.

إننا أمام لحظة مفصلية تضعنا أمام سؤال جوهري: كيف نعيد الدين إلى روحه، والمناسبة إلى معناها؟ كيف نحتفل بالعيد دون أن نذبح اقتصاديا ومعنويا؟ لعل هذا العيد هو البداية، لا النهاية، لقراءة جديدة لمظاهر التدين في سياق مغربي يعرف أزمات متشابكة، ويحتاج إلى توازن بين الطقس والمقصد، بين العادة والعبادة.

Exit mobile version