أعود أحياناً إلى كتب سبق أن قرأتها، وفي اعتقادي أنها تحتوي على الكثير من المعلومات ، أو كتبت بأسلوب ممتع ، يجعل القراءة في كل مرة ممتعة.
في هذا السياق عدت إلى كتاب عبدالجبار السحيمي ، رحمه الله، “الممكن من المستحيل” لقراءة للمرة الضائعة في العد.
عندما فتحت الكتاب ، طالعت في صفحته الأولى إهداء متميزاً من صديق عزيز كان سبب احترافي مهنة “الكتابة”، ولا أقول”الصحافة”.
أروي لكم كيف كان كذلك .
بسبب ضائقة معيشية ذات صيف بعيد، وجدت فرصة للعمل “بالقطعة” مع إحدى اليوميات. ترجمت في هذا السياق تقريراً من صحيفة “هيرالد تربيون”يتحدث عن صعود نجم بولنت أجاويد زعيم الحزب الاشتراكي في تركيا أيامئذٍ، وصراعه مع سليمان ديميريل، زعيم حزب العدالة، الذي سيصبح في وقت لاحق رئيساً لتركيا، في حين تراجع حزب أجاويد ليصبح من الأحزاب الصغيرة.
بذلت جهداً استثنائياً لترجمة ذلك التقرير. وعندما نشر بتوقيع :”ط . ج” قرأته عشرات المرات. نعم عشرات المرات.
ذات يوم تلقيت من عبد الجبار السحيمي رئيس تحرير صحيفة “العلم” آنذاك، رسالة شفوية مقتضبة تقول : ما رأيك في الانضمام لأسرة “العلم”؟ سأعرف لاحقاً، أن السحيمي لفت انتباهه ذلك التقرير.
لم أتردد لحظة. ذهبت إلى “11 شارع علال بن عبد الله” حيث كان يوجد مقر الصحيفة، على أمل اللقاء مع السحيمي، وجدت رسالة شفوية مفادها أنه حدد لي موعداً آخر. ساورتني شكوك بشأن احتمال أن يكون الرجل قد عدل عن رأيه .
عدت بعد يومين أو ثلاثة، لم أعد أتذكر، في الموعد المحدد وجدت السحيمي غارقاً في أوراقه وملفاته في مكتب يطل على باب المطبعة الخلفي. لم يكن هناك حديث طويل، الواقع أنه لم يكن هناك حديث أصلاً، بل سؤال واحد وجواب.
السـؤال : هل تنضم إلى أسرة العلم؟ الجواب : نعم .
ترك السحيمي بعد ذلك تفاصيل الأمور المادية إلى محمد العربي المساري ، رحمه الله، الذي كان آنذاك مدير “العلم”.
هكذا بدأت مسيرة صحافية مستمرة حتى الآن .
أختم هذه الخواطر، بما كتبه عبدالجبار السحيمي “بخط اليد” في الإهداء الجميل وكان ذلك قبل أزيد من ثلاثة عقود. أنقله نصاً.
“الأخ العزيز الأستاذ طلحة جبريل،من عادتك أن تحرج، ولعلك الآن تمارس عادتك”بسادية”لان المحرج صديقاً . أرجو ان تكون الأيام التي تجمعنا مستقبلاً، أفضل من تلك الماضية، أن كانت الماضية جميلة. عين رضاك ما أريده لهذه المجموعة في بيتك”.
رحمة الله على اساتذتي عبدالجبار السحيمي ومحمد العربي المساري وعبدالكريم غلاب.