أربعة من نجوم الفلسفة بالمغرب أشعلوا معارك سياسية وفكرية وامتد صيتهم للمشرق العربي

بقلم زيد فاخي

تقول الأسطورة إن المغرب ليس له أعلام في الفن والأدب والفكر والفلسفة. هذه المقولة يرددها المغاربة أنفسهم غير أن الواقع أثبت سخف هذه المقولة. ففي الفن هناك مطربون كبار كالحياني والدكالي وبلخياط وغيرهم، وفي الأدب هناك عبد المجيد بنجلون وعلال الفاسي، وفي الفكر هناك عديد من الجهابذة من بينهم أربعة هم معرض حديثنا في هذا الملف؛ وهم عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وطه عبد الرحمان وعبد الكبير الخطيبي. لم يقتصر دور هؤلاء على التنظير بل تجاوزه للعمل على أرض الواقع سواء في مجال البحث العلمي أو العمل السياسي، وكالطبيعة التي يولد فيها الاحتكاك شرارا فقد ولد احتكاك هؤلاء العباقرة شرار نقاشات وحوارات امتدت سنوات بل عقود على صفحات الكتب العلمية والجرائد والقنوات التلفزية، “الأيام” تعرفكم بهم و ترصد لكم أهم المعارك السياسية والفكرية التي خاضها هؤلاء المفكرون.

عبد الله العروي فيلسوف التاريخ وناقذ الايديولوجية العربية

لم يخلق كاتب مغربي جدلا في أواخر سيتينيات القرن الماضي مثل ما خلق عبد الله العروي من خلال كتابيه “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، و”أزمة المثقفين العرب”. ورغم أنه كتبهما باللغة الفرنسية، فإن هذين الكتابين استقطبا اهتمام كلّ المثقفين العرب بقطع النظر عن توجّهاتهم الفكرية والعقائدية، فالكتابين كان عبارة عن تشريح للإيديولوجيا العربية التي أفرزت واقعا أسود خصوصا بعد هزيمة 1967 ففالايديولوجية العربية المعاصرة حاول العروي أن يصنف مختلف إخفاقات النهضة وطموحاتها، التي عبّر عنها العرب ضمن تصور نسقي فكري، لا يكتفي العروي بالوصف بل يتجاوز ذلك إلى التفكيك والتحليل مجريات ووقائع هذه الإخفاقات التي طالت مشروع النهضة فكريا وحضاريا، وتلك التي طالت مشروع حركة التحرر الوطني العربية وبناء الدولة الديمقراطية بعد مرحلة الاستقلال.

ولد العروي في مدينة أزمور يوم 7 نوفمبر 1933، لعائلة كان لها سلطة ونفوذ بالمنطقة في القرن الـ19، لكن لم يبق لها إلا بضعة أملاك واسم أطلق على حي في المدينة (درب العروي)، وقد توفيت والدته وهو في سن مبكرة. درس عبد الله العروي المرحلة الابتدائية والإعدادية في أزمور، ثم في مدينة مراكش، وحصل على البكالوريا في ثانوية مولاي يوسف بالرباط عام 1953. سافر إلى فرنسا لدراسة العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية في باريس، وتزامن حصوله على الإجازة (البكالوريوس) مع حصول المغرب على الاستقلال. واصل دراسته العليا ونال دبلوم السلك الثالث في التاريخ عام 1958، وحصل عام 1963 على شهادة “التبريز” (أستاذ مبرّز) في الإسلاميات.

ساعدته إقامته في الولايات المتحدة الأميركية -مدرسا (1967-1972)- على الاحتكاك بالثقافة الأنغلوسكسونية المبنية على التجريب والبراغماتية. حصل عام 1976 في السوربون على دكتوراه الدولة عن أطروحة “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية: 1830-1912”.

تقاعد عن التدريس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس في الرباط عام 2000 وتفرغ للتأليف والفكر. يرى العروي بضرورة القطيعة مع تراث الماضي و توجه نحو الحداثة هذه الأخيرة ستشكل محور مشروعه الفكري  ينظر العروي للحداثة كفترة تاريخية وكمجموعة وقائع وأحداث ومؤسسات في الدرجة الأولى، ثم كأفكار وقيم ومثل ملحا مع ذلك على المحددات الفكرية والثقافية إلى درجة اعتبارها محددا شرطيا لإمكان استنبات الحداثة فيما بعد في أية رقعة من العالم.

 يبلور العروي تصورا عن الحداثة باعتبارها فترة تاريخية تتسم بالجدة والانفصال والقطيعة مع العصور الوسطى وبخاصة على مستوى الفكر.

الجابري المثقف العضوي

نشأ محمد عابد الجابري في مدرسة الاتحاد الاشتراكي وكان من أكبر منظريها وعبر عن مواقفه في سلسلة مواقف التي بلغت زهاء الثمانين عدد ، ولد محمد عابد الجابري يوم 27 ديسمبر 1935 في بلدة سيدي لحسن بمدينة فكيك، وسط أسرة مفككة (بسبب الطلاق)، فنشأ نشأته الأولى عند أخواله .كان جده لأمه يحرص على تلقينه بعض قصار السور وبعض الأدعية، وألحقه بالكتاب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما يقرب من ثلث القرآن، وما إن أتم السابعة حتى انتقل إلى كتاب آخر ثم ألحقه عمّه بالمدرسة الفرنسية، حيث قضى عامين في المستوى الأول.

واظب الجابري وهو ما يزال في العاشرة على حضور دروس الشيخ محمد فرج -أحد رجال السلفية النهضوية بالمغرب- التي كان يلقيها بعد العصر.

بعد نجاح شيخه في إنشاء مدرسة “النهضة المحمدية” بفكيك، كمدرسة معربة يشرف عليها رجال الحركة الوطنية، التحق الجابري بهذه المدرسة، وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1949، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967، ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط.

عمل الجابري على تفكيك العقل العربي عبر سلسلته نقذ العقل العربي التي حاول فيها الإجابة عن سؤال هل من ممكن قيام نهضة بدون عقل عربي ناهض، استطاع محمد عابد الجابري القيام بتحليل العقل العربي عبر دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي وهو مبتكر مصطلح “العقل المستقيل” وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى. وفي نهاية تلك السلسلة يصل المعلم إلى نتيجة مفادها أن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة ابتكار

أغنى الجابري المكتبة الفكرية بالعديد من الأعمال، مثل: نحن والتراث (1980)، العصبية والدولة (1971)، تكوين العقل العربي (1982)، بنية العقل العربي (1986)، العقل السياسي العربي (1990)، العقل الأخلاقي العربي (2001)
فاز بعدة جوائز، منها: جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو (1988)، الجائزة المغاربية للثقافة (1999)، جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي تحت رعاية اليونسكو (2005)، جائزة الرواد لمؤسسة الفكر العربي (2005)، ميدالية ابن سينا من اليونسكو (2006).

كما حصل على جائزة ابن رشد للفكر الحر (2008)، وقد اعتذر عن تسلم جائزةصدام حسين ، وجائزة العقيد القذافـي لحقوق الإنسان (2002)، وجائزة الشارقة التي تمنحها اليونسكو (2001)، كما اعتذر عن عضوية أكاديمية المملكة المغربية مرتين. توفى محمد عابد الجابري يوم الاثنين 3 ماي 2010 بالدار البيضاء، بعد معاناة طويلة مع المرض

طه عبد الرحمان ”فقيه الفلاسفة” و”فيلسوف الفقهاء”.

ولد طه عبد الرحمن عام 1944 في مدينة الجديدة بالمغرب .درس طه عبد الرحمن المرحلة الابتدائية في مدينة الجديدة، وانتقل بعدها إلى الدار البيضاء وأكمل دراسته الإعدادية والثانوية فيها.

تحصل في جامعة محمد الخامس على إجازة في الفلسفة، ثم سافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته في جامعة السوربون، وحصل على إجازة ثانية في الفلسفة ثم دكتوراه السلك الثالث عام 1972 في موضوع “اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود”.

رجع  إلى المغرب أستاذا في جامعة محمد الخامس بالرباط يدرّس المنطق وفلسفة اللغة، وحصل على دكتوراه الدولة عام 1985 بأطروحة تحت عنوان “رسالة في الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه “عمل طه عبد الرحمن أستاذا للمنطق والفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ عام 1970 إلى 2005.

عمل طه عبد الرحمن على فك الارتباط بين الفلسفة ومفهوم الحداثة وبين الفكر الغربي كذلك، ليؤكد أن لكل ثقافة وحضارة فلسفتها وحداثتها الخاصة. وجعل الفكر النظري والعمل الأخلاقي وجهان لعملة واحدة، معارضا بذلك الفكر الغربي الحديث الذي يستبعد الأخلاق في شقها العملي.

رفع شعار “الأخلاق هي الحل” أو ما سماه في بعض كتبه -مثل “روح الدين” و”سؤال العمل”- بـ”العمل التزكوي”، واعتبر أن الازدواجية في الفكر الإسلامي العربي شلت قدرة أهله على الإبداع الفلسفي، لاستخدام مفاهيم في الممارسة الإسلامية العربية تحذو حذو المنقول الفلسفي الغربي حذو النعل بالنعل.

انتقد عبد الرحمن نقل الحداثة الغربية للعالم العربي والإسلامي دون ابتكار وتمييز، ودون التفريق بين واقع الأشياء وبين روحها، معتبرا أن الروح تعني في هذا السياق مجموعة القيم ومجموعة المبادئ التي يشكل الواقع تجسيدا لها، وبالتالي فالحاجة لبحث الحداثة كقيم ومبادئ لا كواقع.
لاحظ أن العالم العربي والإسلامي عرف ما سماه بـ”اليقظة الدينية” أو “اليقظة العقدية” منذ أكثر من ثلاثة عقود تحتاج وفقا لما ذكره في كتابه “العمل الديني وتجديد العقل” لـ”سند فكري محرر على شروط المناهج العقلية والمعايير العلمية المستجدة، فلا نكاد نظفر عند أهلها لا بتأطير منهجي محكم، ولا بتنظير علمي منتج، ولا بتبصير فلسفي مؤسس”.

رفض اعتبار العقل كيانا مستقلا لأنه هو فاعلية الإنسان، وشدد على أهمية وضرورة الربط بين الفاعلية النظرية المجردة (العقل) وبين الشعور الذاتي الداخلي (الاحساس أو القلب) والعمل (التطبيق)

سعى لتجديد الفكر الديني الإسلامي لمواجهة التحديات الفكرية التي تطرحها الحضارة الحديثة، ووضع نظرية أخلاقية إسلامية تفلح في التصدي للتحديات الأخلاقية لهذه الحضارة، بعدما فشلت في ذلك نظريات أخلاقية غير إسلامية أو غير دينية.

الخطيبي والنقد المزدوج

 قال عنه الناقد الفرنسي الشهير رولان بارت :”إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور، الأدلة، الآثار الحروف، العلامات. وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديدا، يخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان كل هذه الأشياء، يأخذني بعيدا عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي” يعتبر عبد الكبير الخطيبي من أكبر الفلاسفة المغاربة وان لم يكن مشهور كالثلاثة السابقين إلا أن مشروعه الفكري لقي صدى واسع، فمزاوجته بين الثقافتين العربية والغربية جعلته ينقدهما نقد مزدوج ف في مستهل الكتاب يشرح الخطيبي ما يقصد بالنقد المزدوج من منطلق موضوع الأزمة، أي العالم العربي والمغربي العربي تحديدا، فيدعو أولا إلى إعادة النظر في مسألة الهوية: ”لا يمكن للهوية الأصلية التي تقوم على الأصول اللغوية والدينية والأبوية أن تحدد وحدها العالم العربي. فهذه الهوية قد تصدعت وتمزقت بفعل الصراعات والتناقضات الداخلية. ثم إنها تجد نفسها مرغمة على التكيف مع مقتضيات الحياة العصرية والتفتح على العالم”
إن هذا التفتح، حسب الخطيبي، أدى إلى اهتزاز في نظام العالم العربي وتصدع في كيانه الحضاري، وهو ما نتجت عنه تعددية شاملة.

ليس السؤال في أن يكون هذا التغيير إيجابيا أو سلبيا، ولكن المهم أن الثقافة العربية تستطيع إنتاج فكر قادر على تحليل الوضع الجديد الذي يطبعه التعدد، والذي يمر به العالم العربي.

من هنا، يدعو الخطيبي إلى «نقد مزدوج، ينصب علينا، كما ينصب على الغرب، ويأخذ طريقه بيننا وبينه، فيرمي إلى تفكيك مفهوم الوحدة التي تثقل كاهلنا والكلية التي تجثم علينا». وبهذا يعلن الكاتب انفصاله عن أنواع الخطاب السائدة في العالم العربي، سواء تعلق الأمر بالخطاب التراثي الذي يميل إلى تحديد الهوية تحديدا يقوم على الدين، أو بالخطاب السلفي الذي استغرق وقتا طويلا في محاولة التوفيق بين الدين والعلم، أو حتى بالخطاب العقلاني الذي يعلي من شأن العلم ويهمل المكونات الأخرى.

كما يرفض الخطيبي الانسياق وراء النزعة التاريخية، التي طبعت الفكر العربي لفترة من الزمن، مناديا بإفساح المجال لفكر «يتمسك بالاختلاف».

لم يستعمل الخطيبي أي مفهوم إجرائي ليتناول مفهوم الاختلاف في الثقافة العربية، رغم أن قارئ الكتاب لن تفوته استفادة الخطيبي من «التفكيكية»، التي أعطت نتائج باهرة في محتلف العلوم الإنسانية، وكانت تعتبر إلى حدود التسعينيات فتحا جديدا في مجال الدراسات الإنسانية.

والجدير بذكر أن عبد الكبير الخطيبي ولد يوم 11 فبراير 1938 بمدينة الجديدة التحق بإعدادية سيدي محمد بمراكش عام 1950، ثم انتقل إلى ثانوية ليوطي بالدار البيضاء، حيث حصل على البكالوريا عام 1957.

وفي عام 1959 بدأ دراسة علم الاجتماع والفلسفة في جامعة السوربون بباريس، حيث حصل على الدكتوراه عام 1965 حول “الأدب المغاربي”. تقلد الخطيبي عدة مناصب أكاديمية، حيث شغل أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ثم مديرا لمعهد السوسيولوجيا السابق بنفس المدينة، وعين بعدها مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي، ثم عمل رئيسا لتحرير “المجلة الاقتصادية والاجتماعية للمغرب”، و مدير مجلة “علامات الحاضر”.
توفي عبد الكبير الخطيبي يوم 16 مارس/آذار 2009 في أحد مستشفيات الرباط، عنعمر يناهز 71 عاما بعد معاناة مع المرض
القطيعة بين العروي والجابري
رغم كونهما هرمان ونجمان في مجالهما إلا أن هذا لم يمنعهما من الخلاف والصراع الفكري الذي أدى إلى قطيعة خصوصا في قضية الحداثة والتراث فالعروي يرى الحداثة بدون الرجوع إلى التراث، فيما يرى الجابري الانطلاق من التراث نحو الحداثة.
نعلم أن التاريخ الفكري والفلسفي والأدبي للبشرية جمعاء حافل بالمعارك الضّارية بين الفلاسفة، والأدباء والشعراء، والمفكرين. وعادة ما تُفْضي هذه المعارك إلى القطيعة التامّة بين المتخاصمين. غير أننا لا نعلم البتة أن الجابري والعروي تخاصما حول قضية من القضايا، أو تجادلا حول مسألة من المسائل، غير أن القطيعة كانت تامة بينهما.ولا واحد منهما تحدّث عن الآخر، أو أشار إليه حتى مجرد إشارة، أو ذكره في أيّ منبر من المنابر، وفي أيّ مناسبة من المناسبات. لكأنهما لا يعيشان في نفس البلد، وفي نفس الزمن، ولا ينتميان إلى نفس الجيل، ونفس الثقافة، ونفس اللغة.
كلّ واحد منهما متجاهل لوجود الآخر تجاهلا مطلقا. وعندما مات الجابري عام 2009، رفض العروي تأبينه وحضور جنازته. وهو أمر آثار دهشة واستياء الكثيرين داخل المغرب وخارجه. وربما كان الجابري فعل الشيء ذاته لو توفي العروي قبله
عيوش يخرج العروي من عزلته
أثرت دعوة نور الدين عيوش إلى التدريس باللهجة العامية استهجان شريحة واسعة من الشعب المغربي والمثقفين وفي مقدمتهم عبد الله العروي الذي لم تمنعه مقاطعته لوسائل الإعلام من المطالبة بمناظرة وجها لوجه مع عيوش المناظرة التي سيرها الصحفي جامع كلحسن واعتبر العروي في المناظرة أن الدعوة إلى استعمال الدارجة في التعليم الأولي ” مبادرة نافلة حيث أنه في الثلاث سنوات الأولى من التعليم يتم التواصل مع الأطفال بالدارجة، وبالتالي فما دعت إليه المناظرة يوجد على أرض الواقع “.
وأكد أن ” العقبة الرئيسية أمام استعمال اللغة الدارجة أو العامية في التدريس مرتبطة بالحرف الذي ستكتب به هذه اللغة “، مشيرا إلى أن الإدارة الاستعمارية الفرنسية كانت قد شكلت في 1934 لجنة تضم عددا من الخبراء لبحث سبل ترسيم اللغة الدارجة كلغة وطنية بالمغرب فكان جواب اللجنة أن ذلك أمر غير قابل للتطبيق.
وأيد الأستاذ العروي هذه الفكرة بالتأكيد أن ” استعمال الدارجة لفترة تتراوح ما بين ثلاث وست سنوات لا يطرح أي  مشكل “، مشيرا في هذا السياق إلى أن ” سر تفوق بعض البلدان في أوروبا كالدانمارك راجع إلى اهتمامها بالتعليم الأساسي ” ، غير أنه شدد على ضرورة التعامل مع العامية كوسيلة فقط لتسهيل وتوضيح وإيصال المعلومات.
وشدد في المقابل على ضرورة تبسيط تدريس اللغة العربية، مؤكدا على ضرورة تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأساتذة من أجل تلقين لغة عربية مبسطة يسهل على الطفل فهمها واستيعابها.
وعبر ا العروي عن رفضه اعتبار الدارجة لغة وطنية، معتبرا أن الدارجة لا تستطيع أن تكون لغة ثقافة في مستوى اللغات الأجنبية.

بندحمان: الجابري لم تمنعه حزبيته الاتحادية من التنظير لما يتجاوز الحزب
صرح جمال بندحمان نائب رئيس مؤسسة الجابري للأيام، بأن محمد عابد الجابري لم تمنعه حزبيته الاتحادية من التنظير لما يتجاوز الحزب، ولم تقف مسؤولياته الحزبية دون جهره بمواقف لم ترض الكثيرين،وأضاف بندحمان أن حين طفح كيل الجابري من السياسة استقال من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعاد إلى محرابه الفكري ليبدع إنتاجا راقيا وليؤرخ ل(مواقف) ويخوض فيما لم يستطعه آخرون (تفسير القرآن الحكيم) ففي تاريخنا المجيد هيمن وهم التخصص،وتم احتكار المعارف،وتأميم القطاعات..لكن الجابري يضيف بندحمان أنه كان استثناء لأنه فهم (نحن والتراث)،وفكك (بنية العقل العربي)، وتعمق في إدراك أسس (العصبية والدولة)..مما سمح له باكتساح مساحات واسعة، وإعادة النظر فيما اعتبر أمرا مقضيا.
وحسب بندحمان لم يخف الجابري مواقفه التي بناها مع أقطاب الحركة الوطنية من بن بركة إلى عبد الرحيم بوعبيد، و أضاف بندحمان أن محمد عابد الجابري كان حادا في انتقاد ما اعتبره انحرافا على ما بناه المؤسسون، ولم يهادن في وضع التعليم وواقعه بالمغرب أو بالبلدان المغاربية،وكان لكتابه المدرسي أكبر الأثر على مسار الفلسفة بالمغرب، ولم تمنعه دقة المتابعة ومنهجية التأمل من متابعة جريان الأحداث التي لم يكن يتردد في مناقشتها أو التعليق عليها مخلصا الفلسفة من ذلك الحكم الذي كان يجعلها دواء يصلح للمريض، ومحولا إياها إلى هواء يحتاجه الجميع. كان الجابري مفكرا نسقيا يؤمن بأن التفاصيل ينبغي أن لا تمنع من تحقق التقاطعات . ورغم دفاعه عن العقلانية وانتقاده العقل المستقيل فإن أساس ذلك الاختيارات المنهجية التي تلين أمام الاختيارات المجتمعية أو التاريخية
منتصر حمادة: طه عبد الرحمن أحد أهم الرموز العربية الإسلامية التي تُحرر في فلسفة الدين
صرح منتصر حمادة الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية للأيام  أنه من الصعب تلخيص مشروع طه عبد الرحمن الفكري، بحكم أنه حرر في الفلسفة والمنطق والأخلاق، بشكل لا يُضاهى في الحقل المعرفي المحلي والعربي والإسلامي، بل أصبح طه عبد الرحمن أحد أهم الرموز العربية الإسلامية التي تُحرر في فلسفة الدين، إضافة إلى أنه يُعتبر رائد الدرس المنطقي في العالم العربي.
ففي حقل الفلسفة، ألف طه عبد الرحمن “فقه الفلسفة” (الجزء الأول والثاني)، و”الحق العربي في الاختلاف الفلسفي”، ثم “الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري”، في انتظار الجزء الثالث والرابع من مشروع “فقه الفلسفة”، والذي بمقتضاه أصبح القارئ المغربي والعربي مطالباً بإعادة النظر في الترجمات الفلسفية .
وأضاف حمادة أنه في حقل المنطق، نجد بالدرجة الأولى أن طه عبد الرحمن ألف كتابه الشهير “اللسان والميزان أو التكوثر العقلي”، والصادر سنة 1998؛ أما في باب الأخلاق، فله لائحة أعمال، يتقدمها كتابه الأشهر “سؤال الأخلاق”.
ويضيف منتصر حمادة أنه بالنسبة لحقل “فلسفة الدين”، فقد افتتح طه عبد الرحمن هذا المجال بكتابه المرجعي الذي يحمل عنوان: “العمل الديني وتجديد العقل”، قبل العودة بالتفصيل أكثر، مع مشروع “النظرية الائتمانية” والذي صدرت منه مجموعة من الإصدارات، وهي “روح الدين”، “بؤس الدهرانية”، “شرود ما بعد الدهرانية” (هذه مؤلفات تشتغل على نقد النظريات العلمانية، وبالتحديد النظريات التي تفصل الأخلاق عن الدين، أو تفصل الأخلاق عن الحياة)، ثم ثلاثية “دين الحياء”، وأخيراً، كتابه “سؤال العنف”، والذي يُعتبر من أهم الكتب النقدية ضد الخطاب الديني المتشدد، أو ما أصبح يُصطلح عليه بـ”التطرف العنيف”.
يمكن تلخيص بعض تطبيقات أعمال طه عبد الرحمن حسب منتصر حمادة في شعار “الأخلاق هي الحل”، أو الرهان على خطاب إصلاحي إسلامي المرجعية، أخلاقي الوجهة، والتي يصطلح عليها في كتابه “روح الدين” بـ”العمل التزكوي”، ولذلك يُعتبر طه عبد الرحمن علامة فارقة ومفصلية في التنظير الفلسفي العربي الراهن، ولو أن أغلب الأعمال التي بدأت تُنشر حول مشروع طه عبد الرحمن، تشتغل وتسلط الضوء على اجتهاداته في الإسلاميات، مقابل عدم الانتباه لأعماله المرجعية في الفلسفيات والمنطق، لاعتبارات عدة يطول شرحها، منها الصورة السلبية للفلسفة والمنطق في الساحة، ومنها أيضاً، الأفق المعرفي المرتفع لخطاب طه في أعماله المنطقية والفلسفية، بحيث قلة قليلة من الباحثين في المنطقة، مؤهلة لاستيعاب تلك الاجتهادات.

Exit mobile version